والقول بأنها تخالف العقول باطل لما ذكرنا ، ولما نذكره إن شاء الله من دلالة العقول الصحيحة عليها نعم تخالف العقول المعوجة ، وليس فيها رفع الإمكان عن مكانه ، وإنما هي تنزيه القديم الأزلي ، عن شوائب الجهات الإمكانية ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى ، ولا فيها إثبات الربوبية للمخلوق ، وإنما هي كما قال عزّ وجلّ:
{عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (۳)
ولا تستلزم التفويض المجمع على بطلانه ، وإنما هي كما قال الله تعالى:
{اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها} (۱)
وقال تعالى:
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (۲)
ولا ينافيه قوله تعالى:
{هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّـهِ} (۳)
وإنما هي كما قال سبحانه:
{فَتَبارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} (٤)
{وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} (٥).
والخبر إذا خالف الكتاب المجيد ، لا شك أنه يضرب به عُرض الحائط ، إلا أن هذه الخطبة والأخبار موافقة للكتاب المجيد ، ومفسرة ومفصلة له ، كما ستعرف إن شاء الله العزيز.
فثبت أن هذه الخطبة ، من مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) على القطع واليقين ، إذ فيها كلمات ومقامات ، يقصر مقام المخلوقين - سواه (عليه السلام) - عن ذلك) (٦).
ثم أخذ يتحدث عن الطائفة الثانية ، الذين قالوا إن هذه الأخبار معارضة للجمهور ، فالجمهور ليس تشريعاً ، لأن الجمهور أنا وأنت ، فالجمهور قد يصيب وقد يخطئ ، هذا في الأمور غير التشريعية ، وأما الأمور التشريعية ، لا يمكن للعقل سبر غور حقيقة التشريع ، مهما بلغ ما بلغ ، كما روي ، قال علي بن الحسين (عليه السلام):
(إن دين الله عزّ وجلّ لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، ولا يصاب إلا بالتسليم ، فمن سلَّم لنا سلم ، ومن اقتدى بنا هدي ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئاً مما نقوله أو نقضي به حرجاً ، كفر بالذي أنزل السبع المثاني ، والقرآن العظيم وهو لا يعلم) (١).
وإن بلغنا ذروة العلم ، إلا أننا مخطئون قاصرون عن التشريع وأمر السماء ، وكما يقال الشيء يعرف بعنوانه ، فهل يعقل أن يقول هذه الخطبة ، مع بلاغتها وجودة سبكها ، وعلوّها غير معصوم ، هذا محال عند العقلاء ، أما عند الجهلاء من عوامّ الناس فنعم ، قال السيد كاظم (رحمه الله) عن الطائفة الثانية: