وبالخصوص في زمن الدولتين الأموية والعباسية ، حيث عرفتا بالعداوة والحسد ، والحقد على أهل البيت (عليهم السلام) ، بل وقتلهم وتشريدهم ، وبذل الأموال الطائلة في اختلاق ووضع الأحاديث المكذوبة على النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام) ، وأشهرهم أبو هريرة . قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
(أكذب الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو هريرة الدوسي) (٢) والكثير الكثير كما يأتي عليه التفصيل إن شاء الله .
لذا كتبَ رجال الحديث من الطرفين عن الكثير الكثير من الوضاعين ، وأُلِّفت كتب كثيرة من العامة والخاصة ، في هذا الأمر كما يأتي التفصيل عليه فيما بعد .
منها ما قاله السمعاني : (سمعت ابن ناصر يقول : سمعت إبراهيم بن سليمان يقول : سمعت أبا العز بن كادش يقول : وضعت حديثاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأقر عندي بذلك .
قال عمر بن علي القرشي : سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول : قال لي ابن كادش : وضع فلان حديثاً في حق علي ، ووضعت أنا في حق ذه أليس فعلت جيداً ؟ .
قلت : هذا يدل على جهله ، يفتخر بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) (١).
وقال الشيخ الأميني في غديره : (وقال يحيى بن سعيد القطان : ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث . وعنه : لم نرَ أهل الخير في شيء أكذب منهم في الحديث. وعنه : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد .
وقال القرطبي في التذكار : لا التفات لما وضعه الواضعون واختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة والأخبار الباطلة في فضل سور القرآن وغير ذلك من فضائل الأعمال ، وقد ارتكبها جماعة كثيرة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا ، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجويباري ، وغيرهم .
قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟
فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث) (٢) .
وقال ابن الجوزي : (عن أبي أنس الحراني قال : قال المختار لرجل من أصحاب الحديث : ضع لي حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّي كائن بعده خليفة وطالب له بترة ولده ، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة ومركوب وخادم ، فقال الرجل: أمَّا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا ، ولكن اختر من شئت من الصحابة وأحطُّك من الثمن ما شئت .
قال : عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوكد ، قال : والعذاب أشد وأبلغ .
والقسم الثالث (۱) : قوم وضعوا الأحاديث في الترغيب والترهيب ليحثوا الناس بزعمهم على الخير ويزجروهم عن الشر وهذا تعاطٍ على الشريعة ، ومضمون فعلهم أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى تتمة فقد أتممناها) (٢) .
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه في ذم من وضع الأحاديث في ذم أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
(وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي (رحمه الله) تعالى -وكان من المتحققين بموالاة علي (عليه السلام) ، والمبالغين في تفضيله ، وإن كان القول بالتفضيل عاماً شائعاً في البغداديين من أصحابنا كافة ، إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولاً ، وأخلصهم فيه اعتقاداً- أن معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين ، على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير) (۳).
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله) شيخ الطائفة : حدثني محمد بن قولويه القمي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، قال: سمعت رجلاً من الطيارة يحدث أبا الحسن الرضا (عليه السلام) ، عن يونس بن ظبيان ، أنه قال:
كنت في بعض الليالي وأنا في الطواف ، فإذا نداء من فوق رأسي : يا يونس إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ، فرفعت رأسي فإذا حينئذ أبو الحسن .
فغضب أبو الحسن (عليه السلام) غضباً لم يملك نفسه، ثم قال للرجل :
اخرج عني لعنك الله ، ولعن من حدثك ، ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة كل لعنة منها تبلغك قعر جهنم ، أشهد ما ناداه إلا شيطان، أما إن يونس مع أبي الخطاب في أشد العذاب ، مقرونان وأصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون وآل فرعون في أشد العذاب ، سمعت ذلك من أبي (عليه السلام).
قال يونس : فقام الرجل من عنده فما بلغ الباب إلا عشر خطىً حتى صرع مغشياً عليه وقد قاء رجيعه وحمل ميتاً .
فقال أبو الحسن (عليه السلام) : أتاه ملك بيده عمود ، فضرب على هامته ضربة قلب منها مثانته حتى قاء رجيعه وعجل الله بروحه إلى الهاوية ، وألحقه بصاحبه الذي حدثه يونس بن ظبيان ، ورأى الشيطان الذي كان يتراءى له) (١) .
وقال أيضاً الشيخ الطوسي (عن سعد ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي يحيى سهل ابن زياد الواسطي ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، عن أخيه جعفر وأبي يحيى الواسطي ، قال قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام):
كان بنان يكذب على علي بن الحسين (عليه) فأذاقه الله حر الحديد . وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر (عليه السلام) فأذاقه الله حر الحديد ، وكان محمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فأذاقه الله حر الحديد ، وكان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد الله (عليه السلام) فأذاقه الله حر الحديد ، والذي يكذب عليَّ محمد بن فرات.
قال أبو يحيى : وكان محمد بن فرات من الكتاب ، فقتله إبراهيم بن شكلة) (١).
وقال السمعاني : (سمعت ابن ناصر يقول : سمعت إبراهيم بن سليمان يقول : سمعت أبا العز بن كادش يقول:
وضعت حديثاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . وأقر عندي بذلك.
قال عمر بن علي القرشي : سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول : قال لي ابن كادش:
وضع فلان حديثاً في حق علي ، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثاً ، بالله أليس فعلت جيداً؟ .
قلت : هذا يدل على جهله ، يفتخر بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) (۲) .
قال الشيخ الأميني : (قال ابن حبان : كان ممن يضع المتون ، ويقلب الأسانيد فاستحق الترك ، لعله قد قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث ، كتبت أنا منها أكثر من ثلاثة آلاف حديث لم أشك أنه قلبها .
وقال الدارقطني : كان يضع الحديث وكان عذب اللسان حافظاً ، هو أحد الوضاعين الكذابين مع كونه محدثاً إماماً في السنة والرد على المبتدعة . أحمد ابن محمد بن غالب الباهلي أبو عبد الله المتوفى ٢٧٥ غلام الخليل ، من كبار الزهاد ببغداد كذاب وضاع ، قال الحافظ ابن عدي : سمعت أبا عبد الله النهاوندي بحرّان في مجلس أبي عروبة يقول : قلت لغلام الخليل :
ما هذه الأحاديث الرقائق التي تحدث بها ؟ قال : وضعناها لنرقق بها قلوب العامة) (١).
كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجويباري، وغيرهم :
(قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟
فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذا الحديث حسبة) (٢).
وقد حكى ابن أبي الحديد (عن أبي جعفر الإسكافي -وهو من مشايخ المعتزلة- كلاماً في المنحرفين عن علي (عليه السلام) والمبغضين له ، وعد منهم عمرو بن العاص ، فروى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص ، وذكر الحديث ، فيظهر من كلامه الاعتراف بوجود الخبر في صحيح البخاري أيضاً.
ثم لما رأى بعض العامة شناعة تلك الرواية ، غيروا في كثير من النسخ لفظ أبي طالب بلفظ أبي فلان.
وروى مسلم ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :
(لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدِّثوا عني ولا حرج ، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)
ولا ريب في أن تحريم الكتابة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باطل باتفاق أهل الإسلام (۱).
ونقل ابن أبي الحديد أيضاً ، عن الإسكافي:
(أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير) (٢) .
وذكر ابن الجوزي:
(عن أبي أنس الحراني ، أن المختار الثقفي قال لرجل من أصحاب الحديث : ضع لي حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أني كائن بعده خليفة ، وطالب له بترة ولده ، وهذه عشرة آلاف درهم ، وخلعة وخادم ومركوب.
فقال الرجل : أمّا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا ، ولكن اختر من شئت من الصحابة ، وأحطُّك من الثمن ما شئت.
فقال المختار : عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون الحديث أجدى وأنجع .
فقال له المحدِّث : ولكن العذاب أشد وأبلغ) (۳).