ومنها : إن منهم من كان من أهل المعرفة ، وحملة الأسرار المكنونة ، المحفوظة عن الأغيار والضعفاء في كثير من أبواب الأصول الدينية ، فكان الأئمة (عليهم السلام) يلقون إليه من العلوم والحقائق ، ما لا يلقونه إلى مَن هو دونه رتبة ، لعدم تحمل أمثاله لذلك لكونه من الصعب المستصعب ، الذي لا يحتمله إلا مؤمن ممتحن . فإذا باح من هذا حاله ، بشيء من تلك الأسرار ، واتصل ذلك إلى من ليس له بأهل ، قابله بالإنكار ، وأخذ في الطعن على من روى ذلك واعتقده.
فصار هذا من أكبر دواعي القدح والتضعيف ، لجم غفير من حملة الأخبار ، ومن أخذ عنهم ، ودان بما أخذ ، فوصفوهم تارة بأنه يروي المنكرات ، وأُخرى بأنه من الغلاة ، وطوراً بأنه زنديق وأشباه ذلك من الأوصاف المنكرة ، وكان أكثر ذلك في مراتب الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
أما إني لا أقول إن كل من وصفوه بتلك الأوصاف فهو بريء منها ، وإنما أقول إنهم خلطوا الغثَّ بالسمين ، فرموا بها بعض من لا يستحقها من أصحاب أئمتنا (عليهم السلام) ، ومن تأخر عنهم ، كجابر بن يزيد ، والمفضل بن عمر ، ومحمد بن سنان ، وأمثالهم من الأصحاب ، ومن تأخر عنهم.
فإذا ادكر مدكر ، واعتبر معتبر ، وجد أن كثيراً من القول في كثير من الأصحاب ، إنما نشأ من اجتهاد القادحين في روايات المقدوحين وأقوالهم ، ولم تعلموا أنه يمكن أن يكون الضعف في عقول القادحين ، لا في نُقول المقدوحين.