المعيار عندنا معرفة لحن قول الإمام (عليه السلام)

 المعيار عندنا معرفة لحن قول الإمام (عليه السلام) 

إنّ المعيارَ في اعتبار العمل بالحديث وعدمه ، لحنُ كلام المعصوم (عليه السلام) كما روي: 

(أخبرنا محمد بن همام ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور ، جميعاً ، عن الحسن بن محمد بن جمهور ، قال: حدثنا أبي ، عن بعض رجاله ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : 

(خبر تدريه خير من عشر ترويه ، إن لكل حق حقيقة ، ولكل صواب نوراً . 

ثم قال : إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن ، 

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: إن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة ، لا ينجو منها إلا النومة. 

قيل : يا أمير المؤمنين ، وما النومة؟ 

قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه.


واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة لله عز جل ، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة لله لساخت بأهلها ، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون، 

ثم تلا : {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} (١)) (۲)  

وقال تعالى : {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (۳)


انظر إلى قوله سبحانه في هذه الآية ، وقوله (عليه السلام): 

(إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن) 

وهذا واضح حتى في معاملاتنا اليومية ، وذلك لما تسمع من أحد ما يقول عن أبيك ، إنه قتل فلاناً ، وجر جثته في سوق الخضرة ، ثم حرقه بمرأىً ومسمع من الناس والدولة ، ولم يعاقبه أحد ، فإذا سمعت بهذا الخبر ، وإن كان من عدل إمامي لا تصدقه بل تكذبه ، لأن العدل الإمامي ليس بالضرورة ، أنه لا يكذب ولا يفسق ولا يعصي ، لأنه غير معصوم وهذا طبيعي ، ففي هذه الحالة ومعرفتك لوالدك التفصيلية تكذب الخبر رأساً ، وذلك لمعرفتك بحال والدك التفصيلية القريبة. 


وكذا الأمر من أقوال والدك ، لما ينقل عنه أمور ساقطة وسوقية ، وهو من أهل العلم والإيمان والعدالة ، وإن كان الناقل عدل إمامي.


والعكس صحيح لما ينقل رجل ضعيف بالاصطلاح ، إما لجهالته أو فسقه أو كفره خبراً في منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثلاً ، يؤخذ به ، بل قد يكون أقوى من خبر الموالي لأهل البيت (عليهم السلام). 


لذا ترى بعض الأدباء من الكتاب والشعراء المتمرسين في الأدب والشعر ، يعرف كتابة مَنْ هذه الكتابة؟ وشعر مَنْ هذا الشعر؟ وإن لم يذكر الشاعر والأديب الكاتب ، وهذا معروف.


وما ذلك إلا لممارساتهم للحن قول الكاتب والشاعر ، وإن لم يذكر اسمه ، يقول هذه كتابة الأديب الفلاني ، وهذا شعر للشاعر الفلاني ، وفلان سرق بيت فلان ، والكاتب الفلاني أخذ هذا المعنى من الكاتب الآخر.


لذا لمّا تقرأ شعر امرئ القيس ، ولبيد بن ربيعة ، وكثير عزة ، وجميل بثينة ، وطرفة العبدي ، وأبي ذؤيب الهذلي ، وغيرهم في الجاهلية والإسلام ، وشعر الفرزدق وجرير ، حتى قيل فيهما ، إن شعر الفرزدق كأنه يغرف من بحر ، وجرير كأنه ينحت من صخر وغيرهم ، والناقد البصير يعرف شعر من هذا!!! وكتابة من هذه!!!.


لذا في الجامعات الأدبية يعطون الطالب نصاً أدبياً ، أو مقطوعة شعرية ، بدون اسم صاحبَيْهما ، ويقولون له لمن هذا النص الأدبي؟ وهذه المقطوعة الشعرية؟ فإن كان الطالب له ممارسة بلحن نفس الأدباء والشعراء ، يعرف من لحن قول كليهما ، أن هذه المقطوعة الشعرية للشاعر الفلاني ، وهذا النص الأدبي للأديب الفلاني!.


ومنهم الشاعر العملاق حافظ الشيرازي ، شاعر عصره وهو : شمس الدین محمد حافظ الشيرازي الملقب (خواجه حافظ الشيرازي) والشهير بلسان الغيب ، من أشهر الشعراء الإيرانيين ، ونجم ساطع في سماء العلم والأدب في إيران ، يعتبر أشهر شعراء الفرس . ولا يكاد يخلو بيت إيراني من ديوان حافظ ، ووفقاً لتقاليد قديمة ، فإن بعض الإيرانيين في الأعياد الدينية وغيرها يأخذون الطالع من الديوان ، إذ يقوم الشخص المتقدم في السن ، أو من عرف عنه صفاء النية ، بفتح عشوائي لصفحة من ديوان حافظ ، ومن ثم يقرأ الشعر الموجود ، بصوت مرتفع ، ويقوم بتفسيره مع محاولة لأخذ إشارات من الشعر ، بشأن نية صاحب الفأل.


أما الأشخاص المتدينون ، فيبدأون بقراءة الفاتحة لروح حافظ ، ثم يقبّلون الديوان ، ومع الدعاء يفتحون إحدى الصفحات ، ليروا ما يخبرهم به شاعرهم . ومن شعره:


ألا أيها الساقي ، أدر كأساً ونــاولـهـا

فإني هائم وجداً ، فلا تمسك وعجّلها

بدا لي العشق ميسوراً ، ولكن دارت الدنيا

فأضحى يسره عسراً ، فلا تبخل وناولها 

وهل لي في صبا ريحٍ مضت في طرّةٍ شعثى 

بنشر الطيب تدعوني ، ألا عجِّل فقبِّلها

وذاك المنزل الهاني إذا يممته ، دقّوا

به الأجراس أن هيّئ رحال السير واحملها

وشيخي عارفٌ يدري رسوم الدار فاتبعني

وخذ سجادة التقوى بماء الكرم فاغسلها 

قضيت الليل في خوف ، بحور الهمِّ تطويني

فقل للعاتب الزاري تعال الآن فانزلها 

وأمري ساء من حبّي لنفسي ، والورى يدري

بسرٍّ كنت أخـفـيـه ونـفـسٍ لــم أبـدّلـهـا 

إذا ما شئت لقياه تذكّر حافظ قولاً

متى ما تلقى من تهوى ، دع الدنيا وأهملها