من أسباب التكفير والتسقيط الحسد

 من أسباب التكفير والتسقيط الحسد

منها : إن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كانوا متفاوتي الدرجات في العلم والمعرفة ، والورع والتقوى والانقطاع إلى أهل بيت الطهارة ، وما أشبه ذلك من وجوه التفاضل ، ولا ريب أنهم (عليهم السلام) ما كانوا يسوّون بين الفاضل والمفضول ، بل كان تقريبهم لهم ، وإظهار التلطف بهم ، على حسب تفاضلهم في الأمور المذكورة ، فكانوا يعتنون بشأن بعضهم ، بما لا يعتنون به بشأن الآخرين ، وربما كانوا يحيلون بعض الأمور إليهم من الوكالة في أخذ الحقوق ، والإذن في الإفتاء ، والمحاورة مع الخصوم وأشباهها . وأنت تعلم أن هذا يورث حسداً عظيماً من أكثر أقرانه عليه ، إلا قليل ممن قتل إبليسَ نفسهِ ، ودخل صرح التسليم ، وعرف مقام إمامه ، وأنه لا يختار إلا من هو أهل لذلك.


وهذا ديدن جارٍ في حواشي كل رئيس ، فإنهم إذا رأوا اختصاص واحد منهم بالرئيس ، وميل ذلك الرئيس إليه ، هاج في كثير منهم عرق الحسد لا محالة ، فيأخذون في قدحه وذمه ، وذكر مساوئٍ له مفتريات عند ذلك الرئيس ، ليسقطوه عن مكانته عنده.


وهكذا كان حال جملة من أصحاب النبي والأئمة (عليهم السلام) وديدنهم ، ألا ترى كيف بعث تقريبُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وإظهارُ فضائله بين الناس ، أصحابَه المنافقين ، على الحسد عليه إلى أن آل بهم الحال ، إلى أن نسبوا إليه من الأمور الفظيعة ، ما لا يساعد اللسان بذكره ، من رميه بتزويج بنت أبي جهل ، على فاطمة عليها السلام ، وغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك ، ونسبته إلى ترك الصلاة ، وغير ذلك من الشنائع والفظائع؟!.


فإذا كان هذا حال مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) بين أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومكانه من الله ومن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فما ظنك بسائر الخلق؟ هذا أحد أسباب شيوع القدح ، في حق من ليس له بمستحق) (۱).


وهذا الأمر تجده جلياً واضحاً ، عند أصحاب العلم في الحوزات العلمية المعروفة عندنا ، إذا برز رجل من الطلبة في علمه وخلقه ، ووصل مواصل الرجال ، في الفقاهة والاجتهاد ، ترى تتقاذف الحجارة عليه من كل مكان ، بعلل شتى ، إما على المستوى الطائفي! أو المستوى العقيدي! هذا جاهل!!! صوفي!!! شيخي!!! كافر!!! منكر للمعاد الجسماني!!!.


فيحاولون صرف نظر الناس إليه ما استطاعوا ، إما بالتشهير أو التسقيط العلمي ، أنه غير فقيه مجتهد جامع للشرائط ، حتى يتفرق عنه الناس ، وإذا لم يسقط يسقطونه بالفتيا ، على المستوى العلمي أو الاجتماعي ، أنه ليس له حظ من العلم ، بل هو من العوام.


ومن ارتضوه يكون أوحد زمانه ، وكل ذلك للدنيا ، لا لله ولا لرسوله وأهل بيته صلى الله عليهم جميعاً ، بدلالة أنه لمّا تسألهم : علامَ نفيت علمه واستجهلته وأخرجته من زمرة العلماء؟ هل جالسته وحاورته!!! هل رأيته!!! هل لما أنه يمشي في مكان ما تعرفه!!!.


الجواب لا!! ولكنه معروف عندنا ، لأنه لم يدرس في الحوزة الفلانية ، والمكان الفلاني!!!.


وإذا سألته لماذا تحكم بما لم تره؟ يقول إنه لم يدرس البحث الخارج ، وليس له مؤلفات في الفقه والأصول!!! وإذا قلت له : هل تلتزم بأنّ من لم يدرس البحث الخارج! ولم يؤلف! تخرجه من ربقة المجتهدين!!.


يقول لا!! ذاك غير هذا!!! تلك قسمة ضيزى ، وهذا عزيزي حال الأكثر في مجتمعاتنا ، ويا للأسف!!!.