وأما القاسم بن موسى (عليه السلام) فكان أبوه يحبه حباً شديداً ، وأدخله في وصاياه .
وفي باب الإشارة والنص على الرضا (عليه السلام) . روى في الكافي في حديث أبي عمارة يزيد بن سليط الطويل قال أبو إبراهيم :
(أُخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان يعني علياً الرضا (عليه السلام) ، وأشركت معه بنيَّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ، ورأفتي عليه ، ولكن ذلك إلى الله عزّ وجلّ ، يجعله حيث يشاء .
ولقد جاءني بخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجدي علي (عليه السلام) . ثم أرانيه ، وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصى إلى أحد منا ، حتى يأتي بخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجدي علي (عليه السلام).
ورأيت مع رسول الله خاتماً ، وسيفاً ، وعصاً ، وكتاباً ، وعمامة ، فقلت :
(ما هذا يا رسول الله؟
فقال لي : أما العمامة فسلطان الله عزّ وجلّ ، وأما السيف فعز الله تبارك وتعالى ، وأما الكتاب فنور الله تبارك وتعالى ، وأما العصا فقوة الله عزّ وجلّ ، وأما الخاتم فجامع هذه الأمور ،
ثم قال لي : والأمر قد خرج منك إلى غيرك،
فقلت : يا رسول الله أرنيه أيّهم هو؟
فقال رسول الله : ما رأيت من الأئمة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك ، ولكن من الله) (۱) .
فهذه الرواية تدل على عظمة القاسم (عليه السلام) وجلالة قدره ، وحب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) له وترشيحه إيّاه للإمامة ، ليس من باب عدم العلم والعياذ بالله ، فالإنسان المؤمن العادي لو يدخل أحداً من الناس ، في عداد الأئمة (عليهم السلام) لخرج من الدين ، فكيف بعيبة علم الله ، وترجمان وحيه ، وحفظة سره (عليهم السلام) ، ولكن من باب إياك أعني واسمعي يا جارة ، كما أن القرآن نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، كقوله تعالى لنبيّه رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٢) {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (۳) وغيرها من الآيات .
فالإمام موسى الكاظم (عليه السلام) يريد أن يخبر الآخرين ، بأن الإمامة تنصيص من الله تعالى لا من الخلق ، ولو كان هذا الخلق نبيّاً أو وصيّاً أو إماماً {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (۱) .
ففعل الإمام (عليه السلام) ليرفع عند البعض الاعتقاد بأنّ الإمامة بالترشيح أو البيعة من الخلق ، وهذا الخبر في حب تقديم القاسم (عليه السلام) للإمامة ، إن دلَّ على شيء فإنما يدل على عظمة وعلوّ مقام القاسم عند الله تعالى ، ومثله في هذا المقام السيد محمد ابن الإمام علي الهادي (عليهما السلام) ، وكذا إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) ، فهؤلاء لهم منزلة برزخية بين المعصوم وبين الرعية .
ومن نال هذا المقام أيضاً علي الأكبر ابن الإمام الحسين ، وأبو الفضل العباس ، وزينب بنت أمير المؤمنين (عليهم السلام) ، وكذا إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما روي عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، عن جابر ابن عبد الله (ضي الله عنه) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) :
(يا بنية بأبي أنت وأمي أرسلي إلى بعلك فادعيه لي ، فقالت فاطمة للحسن (عليه السلام) : انطلق إلى أبيك فقل له : إن جدي يدعوك ، فانطلق إليه الحسن فدعاه ، فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة عنده ، وهي تقول : وا كرباه لكربك يا أبتاه .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :لا كرب على أبيك بعد هذا اليوم يا فاطمة ، إن النبي لا يشق عليه الجيب ، ولا يخمش عليه الوجه ، ولا يدعى عليه بالويل ، ولكن قولي كما قال أبوك على ابنه إبراهيم : العين تدمع ، والقلب يخشع ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وأنا بك يا إبراهيم لمحزون ، ولو عاش إبراهيم لكان نبياً ) (١).
فهؤلاء لهم منزلة برزخية بين الأئمة (عليهم السلام) والرعية ، ففي الكافي أيضاً بسنده إلى سليمان الجعفري قال :
(رأيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول لابنه القاسم : قم يا بنيّ فاقرأ عند رأس أخيك والصافات صفاً حتى تستتمها ،
فقرأ فلما بلغ {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا} (۲) قضى الفتى ، فلما سجِّي وخرجوا ، أقبل عليه يعقوب بن جعفر،
فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت ، يقرأ عنده يس والقرآن الحكيم ، فصرت تأمرنا بالصافات؟
فقال يا بني لم تُقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته) (۳) .
قال الشيخ المجلسي ونص السيد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعباس ابن أمير المؤمنين ، وعلي بن الحسين (عليه السلام) المقتول بالطف ، وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه مصباح الزائرين .