ثم من بعد المنصور جاء ابنه المهدي بوصية من والده المنصور ، فحكم المهدي من سنة ١٥٨ إلى ١٦٩ ، فسار المهدي على نهج والده المنصور في التفنن بالقتل والإجرام ، كما يذكر أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ، بأنَّ علي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ويكنى أبا الحسن ، وأمه عائشة بنت محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وكان قدم بغداد ، ودعا إلى نفسه (سراً) فاستجاب له جماعة من الزيدية ، وبلغ المهدي خبره فأخذه ، فلم يزل في حبسه ، حتى قدم الحسين بن علي صاحب فخ فكلمه فيه ، واستوهبه منه فوهبه له ، فلما أراد إخراجه من حبسه ، دس إليه شربة سم فعملت فيه ، فلم يزل ينتقض عليه في الأيام حتى قدم المدينة ، فتفسخ لحمه ، وتباينت أعضاؤه ، فمات بعد دخوله المدينة بثلاثة أيام (۱) .
فحاول المهدي العباسي أن يتخلص من الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) لكن خالفه القدر الإلهي ، كما ذكر المؤرخون : أنه لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال :
إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف
فقال : أفديك بالمال والنفس
فقال : هذا لسائر الناس
قال : أفديك بالروح والمال والأهل والولد ، فلم يجبه المهدي
فقال : أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين
فقال : لله درك ، فعاهده على ذلك ، وأمره أن يقتل الكاظم (عليه السلام) في السحر بغتة ، فنام فرأى في منامه علياً (عليه السلام) ، يشير إليه ويقرأ
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ} (۲) فانتبه مذعوراً ، ونهى حميداً عما أمره ، وأكرم الكاظم ووصله (۳) ولكن هل ارتدع المهدي العباسي؟ كلا بل استكبر وعلا علواً كبيراً وأفسد .