قصيدة دعبل بن علي الخزاعي

قصيدة دعبل بن علي الخزاعي

ونعم ما قال دعبل الخزاعي (رحمه الله) ، وهذه القصيدة من أروع ما قيل في مصائب أهل البيت (عليه السلام) وذريتهم من أعدائهم ، قال أبو الصلت الهروي :

دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا (عليه السلام) بمرو فقال له : 

يابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا انشدها أحداً قبلك ، فقال الرضا (عليه السلام) علي هاتها فأنشد :


تــجـاوبـن  بــالإرنــان والـزفـرات …

نـوائح عــجـم الـلـفـظ والـنـطـقات

يـخـبرن بـالأنـفاس عـن سـر أنـفس …

أسارى هـوى مـاضٍ وآخـر آت

فـأسعدن أو أسـعفن حتى تقوضت …

صفوف الدجى بالفجر منهزمات

عـلى الـعرصات الـخاليات من المها …

سلام شجٍ صبٍّ على العرصات

فـعـهدي بـهـا خـضـر الـمعاهد مـألفاً …

من العطرات البيض والخفرات

لـيـاليَ يـعدين الـوصال عـلى الـقلى …

ويعدي تـدانينا عـلى الـغربات

وإذ هــن يـلحظن الـعيون سـوافراً …

ويسترن بـالأيدي عـلى الـوجنات

وإذ كـل يـوم لـي بـلحظي نـشوة …

يـبيت لـها قـلبي على نشوات

فـكـم  حـسرات هـاجها بـمحسِّرٍ …

وقوفي يـوم الـجمع مـن عـرفات 

ألـم تـر لـلأيام مـا جـر جورها … 

على الناس من نقصٍ وطول شتات 

ومـن دول الـمستهترين ومـن غـدا …

بهم طالباً للنور في الظلمات 

فـكيف ومـن أنـى يـطالب زلـفة …

إلـى الـلّه بـعد الـصوم والـصلوات

ســوى حـب أبـناء الـنبي ورهـطه … 

وبغض بـني الـزرقاء و الـعبلات

وهـند ومـا أدت سـمية وابـنها …

أُولو الكفر في الاسلام والفجرات 

هــم  نـقضوا عـهد الـكتاب وفـرضه …

ومحكمه بالزور والشبهات

ولــم تــك إلا مـحـنة  كـشـفتهم …

بدعوى ضــلال مــن هــنٍ وهـنات

تــراث بــلا قـربـى ومـلـك بـلا هـدى …

وحكم بـلا شـورى بـغير هـداة

رزايــا أرتـنـا خـضـرة الأفــق حـمـرة …

وردت أُجـاجـاً طـعم كـل فـرات

ومــا سـهلت تـلك الـمذاهب فـيهم …

على الـناس إلا بـيعة الـفلتات

ومــا نـال أصـحاب الـسقيفة جهرة …

بـدعوى تـراث بـل بـأمر تـِرات

ولــو قـلـدوا الـمـوصى إلـيـه أمورها

لَزُمَّتْ بـمـأمونٍ مــن الـعـثرات

أخي خاتم الرسل المصفى من القذى …

ومفترس الأبطال في الغمرات

فــإن جـحـدوا كــان الـغدير شـهيده …

و بـدر وأُحـد شـامخ الـهضبات

وآي مـــن الــقـرآن تـتـلـى بـفـضـله …

وإيثاره بـالـقوت فــي الـلـزبات

وغــــرّ  خـــلال أدركــتـه بـسـبـقها …

مناقب كــانـت فــيـه مـؤتـنـفات

مـناقب  لـم تـدرك بـكيد ولـم تُـنَلْ …

بشيء سـوى حـد الـقنا الذربات

نـجـيّ لـجـبريل الأمـيـن وأنـتـم …

عكوف عـلـى الـعـزّي مـعـاً ومـنـات

بـكـيت لـرسم الـدار مـن عـرفات …

وأذريت دمـع الـعين بالعبرات

وفـكَّ عـرى صـبري وهـاجت صـبابتي …

رسوم ديـار قـد عـفت وعرات

مــدارس  آيــات خـلـت مــن تــلاوة …

ومـنـزل وحـي مـقفر الـعرصات

لآل رســول الـلّـه بـالـخيف مـن مـنى …

وبالبيت والـتعريف والـجمرات

دِيـــار عــلـي والـحـسين وجـعـفر …

وحمزة والـسـجاد ذِي الـثـفنات

ديــار لـعـبد الـلّـه والـفـضل صـنـوه …

نجيِّ رســول الله فـي الـخلوات

وسبطيْ رسول الله وابنَيْ وصيِّه …

ووارث علم الله والحسنات

مـنازل وحـي الـلّه يـنزل بـينها …

على أحـمد الـمذكور فـي الصلوات

مــنــازل قـــوم يـهـتـدى بـهـداهـم …

فيؤمن مـنـهـم زلـــة الـعـثـرات

مــنـازل  كــانـت لـلـصـلاة ولـلـتقى …

وللصومِ والـتـطهير والـحـسنات

منازلُ جبريلُ الأمينُ يحلُّها …

من الله بالتسليمِ والرحمات

منازلُ وحيِ الله معدنِ علمه … 

سبيلِ رشادٍ واضح الطرقات

منازل لا تيم يحل بربعها … 

ولا ابن صهاك فاتك الحرمات

ديـــار عـفـاهـا جـــور كـــل مـنـابـذ …

ولم تــعـفُ لــلأيـام والـسـنوات

فــيـا  وارِثـــي عــلـمِ الـنـبـيِّ وآلـه …

عـليكم ســلامٌ دائــمُ الـنـفحات

قـفا نـسألِ الدارَ التي خفَّ أهلها …

متى عهدها بالصوم والصلوات 

وأيـن الأُلـى شـطَّت بـهم غـربة الـنوى …

أفانين في الأقطار مفترقات

هــمُ أهـل مـيراث الـنبيِّ إذا اعـتزوا …

وهم خـير سادات وخـير حـماة 

إذا لم نناج الله في صلواتنا … 

بأسمائهم لم يقبل الصلوات

مـطاعيم فـي الإعسار فـي كـل مشهد …

لقد شرفوا بالفضل والبركات

ومــــا  الــنـاس إلا غاصب ومـكـذب …

ومـضطغن ذو إحــنـة وتـــرات

إذا  ذكـــروا قـتـلـي بــبـدر وخـيـبـر …

ويوم حـنـيـن أسـلـبـوا الـعـبـرات

فكــيـف  يـحـبـون الـنـبيَّ ورهـطـه …

وهم تـركـوا أحـشـاءهم وغــرات

لـقـد لا يـنـوه فــي الـمقال وأضـمروا …

قلوباً عـلى الأحـقاد مـنطويات

فــإن لــم تـكـن إلا بـقـربى مـحمد …

فهاشم أولـى مـن هـنٍ وهـنات

سـقـى الـلّـه قـبراً بـالمدينة غـيثه …

فـقد حـلَّ فـيه الأمـن بـالبركات

نــبـي الـهـدى صـلـى عـلـيه مـلـيكه …

وبلغ عـنـا روحــه الـتـحفات

وصـلَّـى عـلـيه الله مــا ذرَّ شـارق …

ولاحـت نـجـوم الـلـيل مـبـتدرات

أفـاطـم لـوخـلت الـحـسين مـجدلاً …

وقد مـات عـطشاناً بـشط فـرات

إذاً  لـلطمت الـخد فـاطم عـنده …

وأجريت دمـع الـعين فـي الـوجنات

أفـاطـم قـومـي يـا ابـنة الـخير وانـدبي …

نجوم سـماواتٍ بـأرض فـلاة 

قــبـور بـكـوفـان وأُخـــرى بـطـيـبة …

وأُخـــرى بـفـخٍّ نـالـها صـلـواتي

وقبر بــأرض الـجـوزجان مـحـلُّه …

وقبر بـبـاخمرى لــدى الغربات

وقــبـر بـبـغـداد لـنـفـس زكــيـة …

تـضـمنها الـرحـمن فــي الـغـرفات

(وقبر بطوس يا لها من مصيبة … 

ألحت على الأحشاء بالزفرات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً … 

يفرج عـنـا الـغـم والـكـربـات (١))

فـأمّـا الـمـمضّات الـتـي لـسـت بـالـغاً …

مبالغها مـنـي بـكـنه صـفات

قـبـور ببطن الـنـهر مــن جنب كـربـلا …

معرَّسهم مـنها بـشطِّ فـرات

تـوفـّوا عـطـاشاً بالفرات فـلـيتني …

توفيت فـيـهم قـبـل حـين وفـاتي

إلـى الـلّه أشكو لوعة عند ذكرهم …

سقتني بكأس الثكل والفظعات

أخـــاف  بـــأن أزدارهـــم فـتـشوقني …

مصارعهم بـالـجزع فـالـنخلات

تغشاهم ريـب المنون فـما تـرى …

لهم عـقوة مـغشية الـحجرات

خلا أن مـنهم بـالمدينة عـصبة …

مدينين أنضاءً من اللزبات

قـلـيـلة زوار ســـوى بــعـض زُوَّرٍ … 

مــن الـضـبع والـعـقبان والـرخـمات

لـهـم كــل يـوم تربة بـمضاجعٍ …

ثوت في نواحي الأرض مفترقات

تـنـكـب  لأواء الـسـنين جـوارهـم …

فلا تـصـطليهم جـمـرة الـجـمرات

وقــد كــان مـنـهم بـالـحجاز وأرضها

مغاوير يُختارون في الأزمات

حـمىً لـم تـزره الـمذنبات وأوجه …

تضيء لدى الأستار في الظلمات

إذا وردوا خــيـلاً بسمر من الـقـنا …

مساعير حرب أقحموا الغمرات

فإن فــخـروا يــومـاً أتــوا بـمـحمد …

وجبريل والـفـرقان والـسـورات

وعـــدوا عـلـياً ذا الـمـناقب والـعـلى …

و فـاطـمة الـزهـراء خـيـر بـنـات

وحـمزة والـعباس ذا الـهدي والـتقى …

و جـعفراً الـطيار في الحجبات

أولــئـك لا ملقوح هـنـد وحزبها

سمية مــن نـوكـى ومــن قــذرات

سـتـسـأل  تــيـم عـنـهـم وعـديُّـهـا …

وبيعتهم مـــن أفـجـر الـفـجرات

هـم مـنعوا الآبـاء عـن أخـذ حـقهم …

وهم تـركوا الأبـناء رهـن شـتات

وهــم عـدلـوها عــن وصـيِّ مـحمد …

فبيعتهم جـاءت عـلى الـغدرات

وليهم صنو النبي محمد …

أبو الحسن الفراج للغمرات

مـلامـك فــي آل الـنـبيِّ فـانـهم …

أحبّايَ مــا داموا وأهــلُ ثـقاتي

تـخـيَّرتهم رشــداً لنفسي فـانـهم …

على كــل حــال خـيرة الـخيرات

نـبـذت  إلـيـهم بـالـمودة صـادقـاً …

وسلمت نـفـسي طـائـعاً لـولاتـي

فـيا ربِّ زدنـي في هواي بـصيرة …

وزد حـبهم يـا رب في حسناتي

سـأبـكيهم مــا حــج لـلّـه راكـب …

ومـا نــاح قـمري عـلى الـشجرات

وإني لمولاهم وقالٍ عدوَّهم … 

وإني لمحزون بطول حياتي

بـنـفسي  أنـتـم مــن كـهـول وفـتـية …

لـفـكِّ عُنَاةٍ أولـحـمل ديـات

ولـلـخـيل  لـــمَّا قــيَّـد الــمـوت خـطـوهـا …

فأطلقتم مـنـهن بـالـذربات

أحـب قـصيَّ الـرحم مِـن أجـل حـبكم …

وأهجر فـيكم زوجتي وبناتي

وأكـتـم حـبِّـيكم مـخـافة كـاشـح …

عنيد لأهــل الـحـق غـيـر مــوات

فـيـا عـيـن بـكِّـيهم وجــودي بـعبرة …

فـقد آن لـلتسكاب والـهملات

لـقد خـفت فـي الـدنيا وأيـام سـعيها …

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

ألــم تــر أنــي مــن ثـلاثـين حـجـة …

أروح وأغــدو دائــم الـحـسرات

أرى  فـيـئهم فــي غـيـرهم مـتـقسماً …

وأيديهم مـن فـيئهم صـفرات

وكيف أُداوي مـن جـوىً بي والجوى …

أُمية أهل الكفر واللعنات

وآل زيــاد فــي الحرير مـصـونة …

وآل رســول الله منهتكات

سـأبكيهم مـا ذرَّ فـي الأرْض شـارق …

ونادى مـنادي الـخير بالصلوات

ومــا طـلـعت شـمـس وحــان غـروبـها …

وبالليل أبـكـيهم وبـالغدوات

ديـــار رســـول الــلّـه أصـبـحن بـلـقعا …

وآل زيــاد تـسـكن الـحـجرات

وآل رســــول الله تــدمــى نــحـورهـم …

وآل زيـــاد آمنوا السربات

وآل رســــول الله يـسـبـى حـريـمـهم …

وآل زيـــادٍ ربة الحجلات

إذا وتــــروا مــــدّوا إلـــى واتـريـهـم …

أكفاً عـــن الأوتـــار مـنـقـبضات

فـلولا الـذي أرجـوه فـي الـيوم أو غـد …

تقطع نفسي إثـرهم حـسرات

خــروج إمــام لا مـحـالة خـارج …

يـقوم عـلـى اســم الـلّـه والـبركات

يـمـيـز فـيـنا كــل حــق وبـاطـل …

ويجزي عـلـى الـنـعماء والـنـقمات

فـيا  نـفس طـيبي ثـم يـا نـفس أبـشري …

فغير بـعيد كل ما هو آت

ولا تـجـزعي مــن مـدة الـجور إنـني …

أرى قوتي قـدْ آذنـتْ بثبات (١)

فيا رب عجل ما أؤمل فيهم … 

لأشفي نفسي من أسى المحنات

فـإن قـرَّب الـرحمان مِـن تـلك مـدتي …

وأخر مـن عـمري ووقت وفاتي

شـفيت ولـم أتـرك لـنفسي غصة

ورويـت مـنهم مـنصلي وقناتي

فـإِني  مـن الـرحمن أرجـو بـحبهم …

حياة لـدى الـفردوس غـير بَـتَات

عـسـى الله أن يأوي لذا الـخلق إنـه …

إلـى كــل قـوم دائـم الـلحظات

فــإن قـلـت عـرفاً أنـكروه بـمنكر …

وغطوا عـلى الـتحقيق بـالشبهات

تـقـاصر نـفسي دائـما عـن جـدالهم …

كفاني مـا ألـقى مـن الـعبرات

أُحــاول نـقـل الصُّم عن مـستقرها …

وإسماع أحـجار مـن الـصلدات

فـحـسـبي مـنـهـم أن أبوء بـغـصّة …

تــردد في صدري وفي لهَوات

فـمـن عــارف لــم يـنـتفع ومـعـاند …

تميل به الأهــواء للـشهوات

كـأنـك بـالأضـلاع قـد ضـاق رحـبُها …

لما حملت مـنْ شـدة الـزفرات


وروي عن أبي الصلت الهروي قال سمعت دعبلاً قال : 

لما أنشدت مولانا الرضا (عليه السلام) القصيدة ، وانتهيت إلى قولي :


خروج إمام لا محالة خارج …

يقوم على اسم الله بالبركات

يميز فينا كل حق وباطل …

ويجزي على النعماء والنقمات


بكى الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً ، ثم رفع رأسه إليّ ، وقال يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم ؟ 

قلت لا ، إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم ، يملأ الأرض عدلاً ، 

فقال : يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ، ومن بعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، ولو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد ، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً (١) .


روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) قال : حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد ابن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهما قالا : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : 

دخل دعبل بن علي الخزاعي (رحمه الله) على علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بمرو فقال له : يابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني قد قلت فيك قصيدة ، وآليت على نفسي أن لا أُنشدها أحداً قبلك ، 

فقال (عليه السلام) : هاتها فأنشده :

مدارس آيات خلت من تلاوة …

ومنزل وحـي مـقـفـر العرصات


فلما بلغ إلى قوله :

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً …

وأيديهـم مـن فـيـئـهـم صـفـرات 


بكى أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وقال له : صدقت يا خزاعي . فلما بلغ إلى قوله :

إذا وتروا مدوا إلى واتريهم …

أكفاً عن الأوتار مـنـقـبـضـات


جعل أبو الحسن (عليه السلام) يقلب كفيه ويقول : أجل والله منقبضات فلما بلغ إلى قوله :

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها …

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي


قال الرضا (عليه السلام) : آمنك الله يوم الفزع الأكبر ، فلما انتهى إلى قوله : 

وقبر ببغداد لنفس زكية …

تضمنها الرحمن في الغرفات 


قال له الرضا (عليه السلام) : أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله ، فقال (عليه السلام) :

وقبر بطوس يا لها من مصيبة …

توقد في الأحشاء بـالـحـرقـات 

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً 

يفرج عـنـا الـهـم والـكــربـات


فقال دعبل : يابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ 

فقال الرضا (عليه السلام) : قبري ، ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له ! ثم نهض الرضا (عليه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة ، وأمره أن لا يبرح من موضعه ، فدخل الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية ، فقال له : يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك . 

فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء يصل إليّ ! وردّ الصرة ، وسأل ثوباً من ثياب الرضا (عليه السلام) ليتبرك ويتشرف به ، فأنفذ إليه الرضا (عليه السلام) جبة خز مع الصرة ، 

وقال للخادم : قل له خذ هذه الصرة ، فإنك ستحتاج إليها ، ولا تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرة والجبّة ، وانصرف وسار من مرو في قافلة ، فلما بلغ ميان قوهان وقع عليهم اللصوص ، فأخذوا القافلة بأسرها ، وكتفوا أهلها وكان دعبل في من كتف ، وملك اللصوص القافلة وجعلوا يقسمونها بينهم ، 

فقال رجل من القوم متمثلاً بقول دعبل في قصيدته : 

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً …

وأيديـهـم مـن فـيـئـهـم صـفـرات 


فسمعه دعبل فقال له : لمن هذا البيت ؟ 

فقال : لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي ، 

قال : فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت ، 

فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل ، وكان من الشيعة ، فأخبره فجاء بنفسه حتى وقف على دعبل ، وقال له : 

أنت دعبل ؟ 

فقال نعم، 

فقال له : أنشدني القصيدة فأنشدها ، فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ، ورد إليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل . 


وسار دعبل حتى وصل إلى قم ، فسأله أهل قم أن ينشدهم القصيدة ، فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد المنبر فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال والخلع بشيء كثير ، واتصل بهم خبر الجبّة ، فسألوه أن يبيعها بألف دينار فامتنع من ذلك ، 

فقالوا له : فبعنا شيئاً منها بألف دينار فأبى عليهم ، وسار عن قم ، فلما خرج من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب وأخذوا الجبّة منه ، فرجع دعبل إلى قم وسألهم ردّ الجبّة ، فامتنع الأحداث من ذلك ، وعصوا المشايخ في أمرها ، 

فقالوا لدعبل : لا سبيل لك إلى الجبة فخذ ثمنها ألف دينار فأبى عليهم ، فلما يئس من ردّهم الجبّة ، سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها فأجابوه إلى ذلك ، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن باقيها ألف دينار ، وانصرف دعبل إلى وطنه ، فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله ، فباع المأة الدينار التي كان الرضا (عليه السلام) وصله بها ، فباع من الشيعة كل دينار بمأة درهم ، فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول الرضا (عليه السلام) : إنك ستحتاج إلى الدنانير .