روي في فضل الصلاة على محمد وآل محمد (عليهم السلام) الكثير الكثير من الروايات عن أئمة الهدى (عليهم السلام) ، منها هذا الحديث في المستدرك :
الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره :
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :
(أُسري بي ليلة المعراج إلى السماء ، فرأيت ملكاً له ألف يد ، لكل يد ألف إصبع ، وهو يحاسب ويعدّ بتلك الأصابع ،
فقلت لجبرئيل : من هذا الملك؟ وما الذي يحاسبه ؟
قال : هذا ملك موكل على قطر المطر ، يحفظها كم قطرة تنزل من السماء إلى الأرض؟
فقلت للملك ، أنت تعلم مذ خلق الله الدنيا ، كم قطرة نزلت من السماء إلى الأرض ؟
فقال : يا رسول الله ، فوالله الذي بعثك بالحق إلى خلقه ، غير أني أعلم كم قطرة نزلت من السماء إلى الأرض ، أعلم تفصيلاً كم قطرة نزلت في البحر ، وكم قطرة نزلت في البر ، وكم قطرة نزلت في العمران ، وكم قطرة نزلت في البستان ، وكم قطرة نزلت في السبخة ، وكم قطرة نزلت في القبور ،
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فتعجبت من حفظه وتذكره لحسابه .
فقال : يا رسول الله حساب لا أقدر عليه ، بما عندي من الحفظ والتذكر والأيدي والأصابع ،
فقال : أيُّ حساب هو؟
فقال : قوم من أُمتك يحضرون مجمعاً ، فيذكر اسمك عندهم ، فيصلون عليك ، فأنا لا أقدر على حصر ثوابهم) (١) .
انظر إلى هذا الحديث وما قبله، ترَ المؤمن العادي العاصي ، قد يقوم بعمل يستغرق ثوانياً ، له ما له من الفضل والثواب ما قد رأيت ، فكيف بحجج في أرضه على عباده ، وخُزّان علمه ، وأعضاد خلقه ، وأُمناء سره ، وتراجمة وحيه ، وهم محمد وآل محمد (عليهم السلام) ، فلا يمكن لأحد من الخلق مطلقاً ، أن يصف جُزَيْء جزءٍ ، من ثواب عبادتهم (عليهم السلام) ، روى في الخرائج الكثير عن فضل رشيد الهجري وكان عنده علم المنايا والبلايا ، فكيف بالإمام علي (عليه السلام) ؟
روى عن ابن أبي حمزة قال :
(كنت عند أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبشة اشتُروا له ، فتكلم غلام منهم ـ وكان جميلاً ـ بكلام ، فأجابه موسى (عليه السلام) بلغته ، فتعجب الغلام ، وتعجبوا جميعاً ، وظنوا أنه لا يفهم كلامهم ، فقال له موسى :
إني لأدفع إليك مالاً ، فادفع إلى كل منهم ثلاثين درهماً ،
فخرجوا وبعضهم يقول لبعض : إنه أفصح منا بلغاتنا ، وهذه نعمة من الله علينا .
قال علي بن أبي حمزة : فلما خرجوا قلت : يابن رسول الله !! رأيتك تكلم هؤلاء الحبشيين بلغاتهم ؟!
قال : نعم ،
قال : وأمرت ذلك الغلام من بينهم بشيء دونهم؟
قال : نعم أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، وأن يعطي كل واحد منهم ، في كل شهر ثلاثين درهماً ، لأنه لما تكلم كان أعلمهم ، فإنه من أبناء ملوكهم ، فجعلته عليهم ، وأوصيته بما يحتاجون إليه ، وهو مع هذا غلام صدق ،
ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياهم بالحبشة؟
قلت : إي والله
قال : لا تعجب فما خفي عليك من أمري أعجب وأعجب ، وما الذي سمعته مني إلا كطائر أخذ بمنقاره من البحر قطرة ، أفترى هذا الذي يأخذه بمنقاره ينقص من البحر؟! والإمام بمنزلة البحر ، لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من عجائب البحر) (١) .
وفي رواية أُخرى في البصائر عن الحسن بن علي بن معاوية ، عن إسحاق قال :
(كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) ، ودخل عليه رجل فقال له أبو الحسن :
يا فلان إنك تموت إلى شهر
قال : فأضمرت في نفسي : كأنه يعلم آجال شيعته!
قال : فقال : يا إسحاق وما تنكرون من ذلك ، وقد كان رشيد الهجري مستضعفاً ، وكان يعلم علم المنايا والبلايا ، فالإمام أولى بذلك!
ثم قال : يا إسحاق تموت إلى سنتين ، ويتشتت أهلك وولدك وعيالك ، وأهل بيتك ، ويفلسون إفلاساً شديداً) (۲) .
روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد في عبادة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قال :
كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) أعبد أهل زمانه ، وأفقههم وأسخاهم كفّاً ، وأكرمهم نفساً
وروي أنه كان يصلي نوافل الليل ، ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس ، وكان يدعو كثيراً فيقول :
(اللهمَّ إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب) ، ويكرر ذلك
وكان من دعائه (عليه السلام) : (عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك) ، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضلّ لحيته بالدموع ، وكان أوصل الناس لأهله ورحمه ، وكان يتفقَّد فقراء المدينة في الليل ، فيحمل إليهم الزبيل (۱) فيه العين والورق والأدقة والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ، ولا يعلمون من أي جهة هو .
وروي عن الحسن بن محمد بن يحيى ، عن جده يحيى بن الحسن بن جعفر عن إسماعيل بن يعقوب ، عن محمد بن عبد الله البكري قال :
(قدمت المدينة أطلب بها ديناً فأعياني ، فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) فشكوت إليه ، فأتيته بنقمى (٢) في ضيعته ، فخرج إلي ومعه غلام ، ومعه منسف فيه قديد مجزَّع ، ليس معه غيره ، فأكل فأكلت معه ، ثم سألني عن حاجتي فذكرت له قصتي ، فدخل ولم يقم إلا يسيراً ، حتى خرج إليّ ، فقال لغلامه : اذهب ، ثم مدَّ يده إليّ ، فناولني صرة فيها ثلاثمائة دينار ، ثم قام فولى فقمت فركبت دابتي وانصرفت) (۳) .
وفي مناقب ابن شهر آشوب عن صفوان الجمال قال :
سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر فقال :
(صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، فأقبل موسى بن جعفر وهو صغير ومعه عناق (۱) مكية وهو يقول لها : اسجدي لربّك ، فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) فضمه إليه ، وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب) .
وروي أنه كانت لموسى بن جعفر - بضع عشرة سنة ـ كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، وكان (عليه السلام) أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن ويَبكي، ويُبكي السامعين لتلاوته ، وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع .
وروي عن أحمد بن عبد الله ، عن أبيه قال :
(دخلت على الفضل بن الربيع - وهو جالس على سطح -
فقال لي : أشرف على هذا البيت وانظر ما ترى؟
فقلت : ثوباً مطروحاً
فقال : انظر حسناً،
فتأملت فقلت : رجل ساجد،
فقال لي تعرفه؟ هو موسى بن جعفر، أتفقده الليل
والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على هذه الحالة ، إنه يصلي الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه ، فإذا صلى العتمة أفطر ، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر) .
وقال بعض عيونه : كنت أسمعه كثيراً يقول في دعائه «اللهمَّ إنك تعلم أنني كنت أسألك أن تفرِّغني لعبادتك ، اللهمَّ وقد فعلت فلك الحمد».
وكان (عليه السلام) يقول في سجوده «قبح الذنب من عبدك ، فليحسن العفو والتجاوز من عندك» .
ومن دعائه (عليه السلام) «اللهمَّ إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب» .
وكان (عليه السلام) يتفقد فقراء أهل المدينة ، فيحمل إليهم في الليل العين والورق وغير ذلك ، فيوصله إليهم ، وهم لا يعلمون من أي جهة هو ، وكان (عليه السلام) يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار ، فكانت صرار موسى مثلاً ، وشكا محمد البكري إليه فمد يده إليه فدفع إليه صرة فيها ثلاثمائة دينار (۱) .