الإمام موسى بن جعفر أرواحنا فداه ، عـرف بـكـثـرة سـجـوده واستغفاره (عليه السلام) ، حتى شهد له المؤلف والمخالف ، قال الخطيب البغدادي أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، حدثني جدي قال :
كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده .
روى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في أول الليل ، وسمع وهو يقول في سجوده :
عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك . يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة ، فجعل يرددها حتى أصبح ، وكان سخياً كريماً ، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار ، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار ، وأربعمائة دينار ، ومائتي دينار ، ثم يقسمها بالمدينة . وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى (١) .
وقال المأمون بن هارون يصف الإمام موسى (عليه السلام) :
(لمّا دخل على أبيه هارون ، . . . فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد (۱) ، قد أنهكته العبادة ، كأنه شنٌّ بالِ ، قد كلم (٢) السجود وجهه وأنفه) (۳) .
وروى في عيون الأخبار قال حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (عليه السلام) قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال : حدثني محمد ابن الحسن المدني عن أبي عبد الله بن الفضل عن أبيه الفضل ، قال :
كنت أحجب الرشيد ، فأقبل عليّ يوماً غضباناً ، وبيده سيف يقلبه ،
فقال لي : يا فضل بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لئن لم تأتني بابن عمِّي الآن لآخذنّ الذي فيه عيناك ،
فقلت : بمن أجيئك ؟
فقال : بهذا الحجازي
فقلت : وأي الحجازي ؟
قال : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
قال الفضل : فخفت من الله عزّ وجلّ أن أجيء به إليه ، ثم فكرت في النقمة
فقلت له : أفعل
فقال : آتني بسوطين وهسارين وجلادين،
قال: فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل ، فإذا أنا بغلام أسود ، فقلت له :
استأذن لي على مولاك يرحمك الله ،
فقال لي : لج فليس له حاجب ولا بواب ، فولجت إليه ، فإذا أنا بغلام أسود ، بيده مقص ، يأخذ اللحم من جبينه وعرنين (٤) أنفه من كثرة سجوده ،
فقلت له : السلام عليك يابن رسول الله ، أجب الرشيد،
فقال : ما للرشيد وما لي؟ أما تشغله نقمته عني؟ ثم وثب مسرعاً وهو يقول :
لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن طاعة السلطان للتقية واجبة ، إذاً ما جئت) (١)
(وحكي أنه توفي صلوات الله عليه في حال السجود لله تعالى) (٢) .
وفي زيارة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)
(اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته ، وصلِّ على موسى بن جعفر وصيِّ الأبرار ، وإمام الأخيار ، وعيبة الأنوار ، ووارث السكينة والوقار ، والحكم والآثار ، الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر ، بمواصلة الاستغفار ، حليف السجدة الطويلة ، والدموع الغزيرة ، والمناجاة الكثيرة ، والضراعات المتصلة الجميلة ، ومقرّ النهى والعدل ، والخير والفضل ، والندى والبذل ، ومألف البلوى والصبر ، والمضطهد بالظلم ، والمقبور بالجور ، والمعذب في قعر السجون ، وظُلَم المطامير ، ذي الساق المرضوض ، بحلق القيود ، والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف ، والوارد على جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه سيدة النساء ، بإرث مغصوب ، وولاء مسلوب ، وأمر مغلوب ، ودم مطلوب ، وسمٍّ مشروب .
اللهمَّ وكما صبر على غليظ المحن ، وتجرع فيك غصص الكرب ، واستسلم لرضاك ، وأخلص الطاعة لك ، ومحض الخشوع ، واستشعر الخضوع ، وعادى البدعة وأهلها ، ولم يلحقه في شيء من أوامرك ونواهيك لومة لائم) (۳) .