زيد ابن الإمام الكاظم (عليه السلام)

 زيد ابن الإمام الكاظم (عليه السلام) 

في العيون للشيخ الصدوق قال : حدثنا الحسن بن موسى بن علي الوشاء البغدادي قال : كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مجلسه ، وزيد بن موسى حاضر ، قد أقبل على جماعة في المجلس ، يفتخر عليهم ويقول : نحن ونحن ، وأبو الحسن (عليه السلام) مقبل على قوم يحدثهم ، فسمع مقالة زيد ، فالتفت إليه فقال : 

يا زيد أغرَّك قول ناقلي الكوفة : إن فاطمة (عليها السلام) أحصنت فرجها ، فحرَّم الله ذريتها على النار ، فوالله ما ذاك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة ، فأما أن يكون موسى ابن جعفر (عليهما السلام) ، يطيع الله ويصوم نهاره ويقوم ليله ، وتعصيه أنت ثم تجيئان يوم القيامة سواء؟ لأنت أعزُّ على الله عزَّ وجلَّ منه ، إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يقول : لمحسننا كِفْلان من الأجر (۲) ، ولمسيئنا ضعفان من العذاب . 


قال الحسن الوشاء : ثم التفت إليّ فقال لي : 

يا حسان كيف تقرأون هذه الآية ؟ {قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} (۳) .


فقلت من الناس من يقرأ : إنه عَمَلٌ غيرُ صالحٍ ، ومنهم من يقرأ : إنه عَمِلَ غيرَ صالحٍ ، فمن قرأ إنه عَمَلٌ غيرُ صالحٍ ، فقد نفاه عن أبيه ، 

فقال (عليه السلام) : كلا لقد كان ابنه ، ولكن لما عصى الله عزّ وجلّ نفاه عن أبيه ، كذا من كان منا لم يطع الله عزّ وجلّ فليس منا ، وأنت إذا أطعت الله عزّ وجلّ فأنت منا أهل البيت .


حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي قال : حدثني محمد بن يحيى الصولي قال : حدثنا محمد بن يزيد النحوي قال : حدثني ابن أبي عبدون عن أبيه قال : 

لما جيء بزيد بن موسى أخي الرضا (عليه السلام) إلى المأمون ، وقد خرج بالبصرة ، وأحرق دور العباسيين ، وذلك في سنة تسع وتسعين ومأة ، فسمي زيد النار ، قال له المأمون : 

يا زيد خرجت بالبصرة ، وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا بني أُمية ، وثقيف وعديّ وباهلة وآل زياد ، وقصدت دور بني عمك؟ 

قال : - وكان مزّاحاً - : أخطأت يا أمير المؤمنين من كل جهة ، وإن عدت بدأت بأعدائنا ، فضحك المأمون ، وبعث به إلى أخيه الرضا (عليه السلام) 

وقال : قد وهبت جرمه لك ، فلما جاؤوا به عنَّفه وخلَّى سبيله ، وحلف أن لا يكلمه أبداً ما عاش .


حدثنا أبو الخير علي بن أحمد النسابة عن مشايخه ، أن زيد بن موسى كان ينادم المستنصر ، وكان في لسانه فضل ، وكان زيدياً ، وكان زيد هذا ينزل بغداد على نهر كرخايا(۱) وهو الذي كان بالكوفة أيام أبي السرايا فولاه ، فلما قتل أبو السرايا تفرق الطالبيون ، فتوارى بعضهم ببغداد وبعضهم بالكوفة ، وصار بعضهم إلى المدينة ، وكان ممن توارى زيد بن موسى هذا ، فطلبه الحسن بن سهل حتى دُلَّ عليه ، فأتى به فحبسه ، ثم أحضره على أن يضرب عنقه ، وجرد السياف السيف ليضرب عنقه ، وكان حضر هناك الحجاج بن خثيمة ، 

فقال : أيها الأمير إن رأيت أن لا تعجل ، وتدعوني إليك ، فإنّ عندي نصيحة ، ففعل وأمسك السيّاف ، فلما دنا منه، 

قال : أيها الأمير أتاك بما تريد أن تفعله أمرٌ من أمير المؤمنين؟ 

قال : لا ، 

قال فعلامَ تقتل ابن عم أمير المؤمنين من غير إذنه وأمره ، واستطلاع رأيه فيه؟ ثم حدثه بحديث أبي عبد الله بن أفطس ، وأن الرشيد حبسه عند جعفر ابن يحيى ، فأقدم عليه جعفر فقتله من غير أمره ، وبعث برأسه إليه في طبق ، مع هدايا النيروز ، وأن الرشيد لما أمر مسروراً الكبير بقتل جعفر بن يحيى، 

قال له : إذا سألك جعفر عن ذنبه الذي تقتله به،

فقل له : إنما أقتلك بابن عمي ابن الأفطس ، قتلته من غير أمري . 


ثم قال الحجاج بن خثيمة للحسن بن سهل ، أفتأمن أيها الأمير حادثة تحدث بينك وبين أمير المؤمنين ، وقد قتلت هذا الرجل فيحتج عليك بمثل ما احتج به الرشيد على جعفر بن يحيى؟ 

فقال الحسن للحجاج : جزاك الله خيراً ، ثم أمر برفع زيد ، وأن يردّ إلـى مـحبـسـه ، فلم يزل محبوساً ، إلى أن ظهر أمر إبراهيم بن المهتدي ، فخبَّر أهل بغداد بالحسن ابن سهل فأخرجوه عنها ، فلم يزل محبوساً ، حتى حمل إلى المأمون ، فبعث به إلى أخيه الرضا (عليه السلام) فأطلقه ، وعاش زيد بن موسى إلى آخر خلافة المتوكل ، ومات بسر من رأى .


حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن موسى المتوكل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم قالوا : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال : 

حدثني ياسر ، أنه خرج زيد بن موسى ، أخو أبي الحسن (عليه السلام) بالمدينة ، وأحرق وقتل ، وكان يسمى زيد النار ، فبعث إليه المأمون ، فأسر وحمل إلى المأمون، 

فقال المأمون : اذهبوا به إلى أبي الحسن .


قال ياسر : فلما أُدخل إليه ، قال له أبو الحسن (عليه السلام) : 

يا زيد أغرَّك قول سفلة أهل الكوفة (١) ، إن فاطمة (عليها السلام) أحصنت فرجها، فحرّم الله ذريتها على النار ، ذلك للحسن والحسين خاصة ، إن كنت ترى أنك تعصي الله عزّ وجلّ وتدخل الجنة ، وموسى بن جعفر (عليه السلام) أطاع الله ودخل الجنة ، فأنت إذا أكرم على الله عزَّ وجلَّ من موسى بن جعفر (عليه السلام) ، والله ما ينال أحد ما عند الله عز وجل إلا بطاعته ، وزعمت أنك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت! 

فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك، 

فقال له أبوالحسن (عليه السلام) : أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ ، إن نوحاً (عليه السلام) قال : 

{رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ} (٢)


فقال الله عزَّ وجلَّ : {قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} (۳) فأخرجه الله عزَّ وجلَّ من أن يكون من أهله بمعصيته .


حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رضي الله عنه) قال : حدثنا أبو علي أحمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي قال : 

سمعت الرضا (عليه السلام) يحدث عن أبيه ، أن إسماعيل قال للصادق (عليه السلام) : يا أبتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا ؟ 

فقال له : {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} (٤) . 


حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رضي الله عنه) قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا أبو الخير صالح بن أبي حماد ، عن الحسن بن الجهم قال : كنت عند الرضا (عليه السلام) وعنده زيد بن موسى أخوه ، وهو يقول : 

(يا زيد اتقِ الله ، فإنه بلغنا ما بلغنا بالتقوى ، فمن لم يتقِ الله ، ولم يراقبه فليس منا ولسنا منه ، يا زيد إياك أن تهين من به تصول من شيعتنا ، فيذهب نورك ، يا زيد إن شيعتنا إنما أبغضهم الناس ، وعادوهم واستحلّوا دماءهم وأموالهم ، لمحبتهم لنا واعتقادهم لولايتنا ، فإن أنت أسأت إليهم ، ظلمت نفسك وبطلت حقك .


قال الحسن بن الجهم : ثم التفت (عليه السلام) إليّ ، فقال لي : 

يابن الجهم من خالف دين الله ، فابرأ منه كائناً من كان ، من أي قبيلة كان ، ومن عادى الله فلا تواله كائناً من كان ، من أي قبيلة كان، 

فقلت له : يابن رسول الله ، ومن الذي يعادي الله تعالى؟ 

قال : من يعصيه) (١) .