روى إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال :
اختلف أبي وعمومتي في الأربعة الأيام التي تصام في السنة ، فركبوا إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) وهو مقيم «بصريا» قبل مسيره إلى «سر من رأى». فقال لهم :
(جئتم تسألونني عن الأيام التي تصام في السنة؟
فقالوا : ما جئناك إلا لهذا .
فقال : اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
واليوم السابع والعشرون من رجب ، وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وهو اليوم الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة ،
واليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الغدير) (۱) .
وللإمام الكاظم (عليه السلام) أوقاف كثيرة ، جعل الولي عليها من بعده ابنه الإمام الرضا (عليه السلام) ، ليؤمن لذرّيته وللعلويين والشيعة المعيشة ، كما في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) :
أبي ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أبي الصهبان ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمان بن الحجاج قال :
(بعث إلي أبو الحسن (عليه السلام) بوصية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وبعث إلي بصدقة أبيه ، مع أبي إسماعيل مصادف ، وذكر صدقة جعفر بن محمد (عليه السلام) وصدقة نفسه :
بسم الله الرحمٰن الرحيم ، هذا ما تصدق به موسی بن جعفر ، تصدق بأرضه مكان كذا وكذا ، وحدود الأرض كذا وكذا ، كلها ونخلها وأرضها ومائها وأرجائها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع(٢) أو مظهر(٣) أو عنصر(٤) أو مرفق(٥) ، أو ساحة ، أو مسيل ، أو عامر ، أو غامر(١) ، تصدق بجميع حقه من ذلك على ولده من صلبه الرجال والنساء ، يقسم واليها ما أخرج الله عزّ وجلّ من غلتها بعد الذي يكفيها في عمارتها ومرافقها ، وبعد ثلاثين عذقاً يقسم في مساكين أهل القرية ، بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين .
فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حق لها في هذه الصدقة حتى ترجع إليها بغير زوج ، فإن رجعت كانت لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى ، ومن توفي من ولد موسى وله ولد ، فولده على سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه ، ومن توفي من ولد موسى ولم يترك ولداً رد حقه على أهل الصدقة .
وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق ، إلا أن يكون آباؤهم من ولدي ، وليس لأحد في صدقتي حق مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد ، فإن انقرضوا ولم يبقَ منهم أحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد ، على ما شرطت بين ولدي وعقبي ، فإن انقرض ولد أبي من أمي وأولادهم ، فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد ، فإن لم يبقَ منهم أحد ، فصدقتي على الأوْلى فالأوْلى حتى يرث الله تعالى الذي ورثها وهو خير الوارثين .
تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه ، وهو صحيح صدقة حبيساً بتاً بتلاً لا مثنوية(٢) فيها ولا رد أبداً ، ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة ، ولا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو يهبها أو ينحلها أو يغيّر شيئاً مما وضعتها عليه ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي مكانه ، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما ، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما ، فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه ، فإن لم يبق من ولدي إلا واحد فهو الذي يقوم به ، قال : وقال أبو الحسن : إن أباه قدَّم إسماعيل في صدقته على العباس وهو أصغر منه) (۱) .
وللإمام موسى الكاظم (عليه السلام) مزارع وأراضِ كثيرة ، وأموال من هدايا وحقوق شرعية ، جعل القيم عليها الإمام علي الرضا (عليه السلام) ، في توزيعها وقسمتها ، وهذا غير ما سرق من الأموال ، والعبيد والجواري من الواقفة ، لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة كما ذكر من قبل ، وكان العباس ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من أشد إخوته على الإمام الرضا (عليه السلام) ، في منازعته على الميراث والصدقات بعد والده الإمام الكاظم (عليه السلام) .
ذكر الشيخ الصدوق وغيره من أصحاب الحديث ، موقف العباس ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) واعتراضه على أبيه الإمام موسى وعلى أخيه الإمام علي الرضا (عليهما السلام) ، يرويه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) :
ابن إدريس ، عن محمد بن أبي الصهبان ، عن عبد الله بن محمد الحجال ، أن إبراهيم بن عبد الله الجعفري ، حدثه عن عدة من أهل بيته ، أن أبا إبراهيم موسى ابن جعفر (عليه السلام) أشهد على وصيته إسحاق بن جعفر بن محمد ، وإبراهيم بن محمد الجعفري ، وجعفر بن صالح ، ومعاوية الجعفريين ، ويحيى بن الحسين بن زيد ، وسعد بن عمران الأنصاري ، ومحمد بن الحارث الأنصاري ، ويزيد بن سليط الأنصاري ، ومحمد بن جعفر الأسلمي ،
(بعد أن أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور، وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الحساب والقصاص حق ، وأن الوقوف بين يدي الله عزّ وجلّ حق ، وأن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حق حق حق ، وأن ما نزل به الروح الأمين حق ، على ذلك أحيى وعليه أموت ، وعليه أبعث إن شاء الله .
أشهدهم أن هذه وصيتي بخطي ، وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ووصايا الحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ووصية محمد بن علي ، ووصية جعفر بن محمد (عليهم السلام) ، قبل ذلك حرفاً بحرف ، وأوصيت بها إلى علي ابني ، وبنيَّ بعده إن شاء وآنس منهم رشداً وأحب إقرارهم فذلك له ، وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذلك له ، ولا أمر لهم معه ، وأوصيت إليه بصدقاتي ، وأموالي وصبياني الذين خلَّفت وولدي ، وإلى إبراهيم والعباس ، وإسماعيل وأحمد ، وأُم أحمد ، وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وأهل بيتي يضعه حيث يرى ، ويجعل منه ما يجعل ذو المال في ماله ، إن أحب أن يجيز ما ذكرت في عيالي فذاك إليه ، وإن كره فذاك إليه ، وإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق على غير ما وصيته ، فذاك إليه ، وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي .
وإن رأى أن يقر إخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم ، وإن كره فله أن يخرجهم غير مردود عليه ، وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته ، فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره ، وأي سلطان كشفه عن شيء ، أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي فقد برئ من الله تعالى ومن رسوله ، والله ورسوله منه بريئان وعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين ، والملائكة المقربين ، والنبيين والمرسلين أجمعين وجماعة المؤمنين .
وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة ، ولا لأحد من ولدي ولي عنده مال ، وهو مصدَّق في ما ذكر من مبلغه ، إن أقل وأكثر فهو الصادق ، وإنما أردت بإدخال الذين أدخلت معه من ولدي ، التنويه بأسمائهم ، وأولادي الأصاغر ، وأمهات أولادي ، من أقام منهن في منزلها وفي حجابها ، فلها ما كان يجري عليها في حياتي ، إن أراد ذلك ، ومن خرج منهن إلى زوج ، فليس لها أن ترجع حزانتي(١) ، إلا أن يرى عليّ ذلك ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن ، ومن أمهاتهن ، ولا سلطان ولا عمل لهن إلا برأيه ومشورته ، فإن فعلوا ذلك ، فقد خالفوا الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحادّوه في ملكه ، وهو أعرف بمناكح قومه ، إن أراد أن يزوج زوَّج ، وإن أراد أن يترك ترك ، قد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في صدر كتابي ، وأُشهد الله عليهن .
وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها ، وهي على ما ذكرت وسميت ، فمن أساء فعليه ، ومن أحسن فلنفسه ، وما ربك بظلام للعبيد وليس لأحد من سلطان ولا غيره ، أن يفضّ كتابي الذي ختمت عليه أسفل ، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ، والملائكة بعد ذلك ظهير ، وجماعة المسلمين والمؤمنين ، وختم موسى بن جعفر والشهود) .
قال عبد الله بن محمد الجعفري : قال العباس بن موسى (عليه السلام) لابن عمران القاضي الطلحي :
(إن أسفل هذا الكتاب كنز لنا وجوهر يريد أن يحتجزه دوننا ، ولم يدع أبونا شيئاً إلا جعله له [أي جعله للإمام علي الرضا (عليه السلام)] ، وتركنا عالة فوثب عليه إبراهيم بن محمد الجعفري فأسمعه ، ووثب إليه إسحاق بن جعفر ففعل به مثل ذلك .
فقال العباس للقاضي : أصلحك الله فضَّ الخاتم ، واقرأ ما تحته ، فقال : لا أفضّه لا يلعنني أبوك .
فقال العباس : أنا أفضه ، قال : ذلك إليك، ففض العباس الخاتم ، فإذا فيه إخراجهم من الوصية ، وإقرار علي وحده ، وإدخاله إياهم في ولاية علي ، إن أحبوا أو كرهوا أو صاروا كالأيتام في حجره ، وأخرجهم من حد الصدقة وذكرها ، ثم التفت علي بن موسى (عليه السلام) إلى العباس فقال :
يا أخي إني لأعلم أنه إنما حملكم على هذا الغرام والديون التي عليكم ، فانطلق يا سعد فتعين لي ما عليهم واقضه عنهم ، واقبض ذكر حقوقهم وخذ لهم البراءة ، فلا والله لا أدع مواساتكم وبركم ما أصبحت ، وأمشي على ظهر الأرض (١) ، فقولوا ما شئتم .
فقال العباس : ما تعطينا إلا من فضول أموالنا ، وما لنا عندك أكثر ،
فقال : قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم ، اللهم أصلحهم وأصلح بهم ، واخسأ عنا وعنهم الشيطان ، وأعنهم على طاعتك ، والله على ما نقول وكيل ،
قال العباس : ما أعرفني بلسانك وليس لمسحاتك عندي طين ، ثم إن القوم افترقوا) (٢) .
فعمل العباس ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، مثل عمل إخوة يوسف مع أخيهم ، حمله الحسد وحب المال ، فمخالفة العباس لأبيه وأخيه الإمامين (عليهما السلام) ، دليل واضح على أن الإمامة والولاية ، ليستا بالوراثة والنسب ، إنما ذلك من الله عز وجل {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالته} (١) على أن الأئمة (عليهم السلام) هم أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، باختيار الله عزّ وجلّ لهم دون خلقه ، فكما اختار الأنبياء اختار الأوصياء ، قال سبحانه {وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ} (٢) .