قال : إذن لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله،
قال النصراني : ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية ؟
فقال : كان اسم أمك بالسريانية عنقالية ، وعنقورة كان اسم جدتك لأبيك ، وأما اسم أمك بالعربية فهو ميّة ، وأما اسم أبيك فعبد المسيح وهو عبد الله بالعربية ، وليس للمسيح عبد،
قال: صدقت وبررت ، فما كان اسم جدي؟
قال : كان اسم جدك جبرئيل ، وهو عبد الرحمن سميته في مجلسي هذا .
قال : أما إنه كان مسلماً ؟
قال أبو إبراهيم (عليه السلام) : نعم وقتل شهيداً ، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة ، والأجناد من أهل الشام .
قال : فما كان أُسمي قبل كنيتي ؟
قال : كان اسمك عبد الصليب ،
قال : فما تسميني ؟
قال أُسميك عبد الله ،
قال : فإني آمنت بالله العظيم ، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فرداً صمداً ، ليس كما تصفه النصارى ، وليس كما تصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق ، فأبان به لأهله وعمي المبطلون ، وأنه كان رسول الله إلى الناس كافة ، إلى الأحمر والأسود ، كلٌّ فيه مشترك ، فأبصر من أبصر ، واهتدى من اهتدى ، وعمي المبطلون ، وضلٌّ عنهم ما كانوا يدَّعون، وأشهد أن وليَّه نطق بحكمته ، وأن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة ، وتوازروا على الطاعة الله ، وفارقوا الباطل وأهله والرجس وأهله ، وهجروا سبيل الضلالة ، ونصرهم الله بالطاعة له ، وعصمهم من المعصية ، فهم الله أولياء ، وللدين أنصار ، يحثون على الخير ويأمرون به ، آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت بالله تبارك وتعالى رب العالمين .
ثم قطع زناره وقطع صليباً كان في عنقه من ذهب، ثم قال :
مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني ،
فقال : ههنا أخ لك كان على مثل دينك ، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن أُورد عليكما حقكما في الإسلام ،
فقال : والله - أصلحك الله - إني لغنيّ ولقد تركت ثلاثمائة طروق بين فرس وفرسة ، وتركت ألف بعير ، فحقك فيها أوفر من حقي .
فقال له : أنت مولى الله ورسوله ، وأنت في حد نسبك على حالك ،
فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر ، وأصدقها أبو إبراهيم (عليه السلام) خمسين ديناراً من صدقة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وأخدمه وبوأه ، وأقام حتى أُخرج أبو إبراهيم (عليه السلام) ، فمات بعد مخرجه بثمانٍ وعشرين ليلة (١) .
فكل ما يظهر من علومهم ليس إلا كنقطة في بحر أو أقل من ذلك ؛ فقد روي في مدينة المعاجز عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن أبي حمزة ، قال :
كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكاً من الحبش قد اشتروهم له ، فكلم غلاماً منهم - وكان من الحبش جميلاً ـ فكلمه بكلامه ساعة حتى أتى على جميع ما يريد ، وأعطاه درهماً ،
فقال : أعطِ أصحابك هؤلاء كل غلام منهم ، كل هلال ثلاثين درهماً .
ثم خرجوا، فقلت : جعلت فداك ، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية ، فماذا أمرته؟
قال : أمرته أن يستوصي بأصحابه خيراً ، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهماً ، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملوكهم ، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه ، فقبل وصيتي ، ومع هذا فهو غلام صدق .
ثم قال : لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لا تعجب فما خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر ، وما هذا من الإمام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء ، أفترى الذي أخذه بمنقاره ينقص من البحر شيئاً ؟
قال : فإن الإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده ، وعجائبه أكثر من ذلك) (۱) .
والطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره اره لم ينقص من البحر شيئاً ، كذلك العالم لا ينقص من علمه شيء ، ولا تنفد عجائبه .
قال الشيخ الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (رحمه الله) في شرح الزيارة الجامعة في فقرة «مطيع لكم عارف بحقكم» :
(فأقول قد تقدم في ما ذكرنا ، أنّ الله سبحانه خلقهم (عليهم السلام) له ، فلا يقع منهم فعل أو عمل أو قول أو اعتقاد حقيّة حق ، أو بطلان باطل ، أو حركة أو سكون ، إلا له تعالى ، وما له إلا ما أمر به ، وما من شيء لشيء ، أو عن شيء ، أو بشيء إلا به تعالى ، فهم (عليه السلام) وما منهم وعنهم وبهم ، ولهم حمده وثناؤه ، ومعرفته وذكره وآلاؤه ، ثم خلق خلقه لهم ، وذلك لتتميم ما له وتكميله ، فلا يقبل الله سبحانه طاعة شيء من خلقه إلا بطاعتهم ، ولا يقبل شيئاً من طاعتهم إلا له ، ولم يقبل شيئاً له من طاعة خلقه إلا لهم ، فليس لهم من الطاعات والأعمال إلا ما كان له منهم ، لأنهم (عليه السلام) له، ولا يكون شيءٌ طاعةً له ، إلا ما كان لهم له ، فقوله مطيع لكم ، أي لكم لله ، فإطاعة المؤمن لهم حقيقة ، أن يعمل لله بكل ما أمروا به ، وأن ينتهي لله عن كل ما نهوا عنه ، وذلك عام في كل حق ، والنهي عن كل باطل) (٢).
وكيف تنفد عجائبهم وهم أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونعم ما قال أبو نواس في مدح الإمام علي الرضا (عليه السلام) :
قيل لي أنت أحسن الناس طرّاً
في فنون مــن الــكــلام الـنـبـيـهِ
لك من جيّد القريض مديح
يثمر الدرّ في يدي مـجـتـنـيـه
فعلامَ تركتَ مدح ابن موسى
والخصال التي تجمّعنَ فيه
قلت لا أستطيع مدحَ إمام
كان جــبــريـل خـادمـاً لأبـيـه
وقال فيه أيضاً :
مطهّرون نقيات جيوبهم
تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن عـلـويـاً حين تنسبه
فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لمّا برا خلقاً فأتقنه
صفّاكُمُ واصطفاكم أيها البشر
فأنتمُ الملأ الأعلى وعندكمُ
علم الكتاب وما جاءت به السُور