العلة الغائية للمعصومين تعني الأصل لا الفراغ من العمل

العلة الغائية للمعصومين 

تعني الأصل لا الفراغ من العمل


ثم اعلم أنه قد (٦) اشتهر بين العلماء من الفرقة المحقة ، وجرت به الألسن أن آل محمد صلى الله عليهم (۷) هم غاية الإيجاد ، وهم العلة الغائية ، وهذا الكلام لا ينطبق على ما اتفقت كلمة العلماء كافة (۸) من الحكماء وغيرهم ، أن العلة الغائية مقدمة في الذكر ، ومؤخرة في الوجود ، كالجلوس الذي هو غاية للسرير ، والأكل الذي هو غاية للطبخ وأمثال ذلك ، لأنهم صرحوا أن العلة الفاعلية والغائية خارجتان عن حقيقة المعلول ، إلا أن العلة الغائية مقدمة في الذكر ومؤخر (١) في الوجود ، والعلة الفاعلية مقدمة في الوجود والذكر ، والعلة المادية والصورية (٢) داخلتان في حقيقة المعلول ، وهذا كلام صحيح لا شك فيه ولا ريب يعتريه ، تشمله الأدلة ويطابقه الحس والتجربة ، وشاهده الوجدان والعيان .


فعلى هذا لو كان آل محمد صلى الله عليهم (٣) هم العلة الغائية على ما اتفقت عليه كلمتهم ظاهراً يلزم أحد الأمرين : - 

  • أحدهما : أن الله سبحانه قد فرغ من الأمر والخلق ، بعد إيجادهم سلام الله عليهم في هذه الدنيا ، كما زعمت اليهود وقالت (٤) يد الله مغلولة ، لان العلة الغائية ، يجب أن تكون بعد وجود المعلول ، فبعد ظهور الغاية ، لم يبق للمعلول شيء يتوقع في الوجود ، فإذا قلنا إنهم سلام الله عليهم (٥) العلة الغائية لكل العوالم والموجودات ، فبعد أن وجودوا وتم ظهورهم ، وجب أن يكون قد تمت خلقة (٦) العالم ، وفرغ الله سبحانه عن الإيجاد ، وهذا هو قول اليهود بعينه .
  • وثانيهما : يجب أن لا يخلق آل محمد سلام الله عليهم (۱) بعد ، لان الله سبحانه كل يوم في شأن ، والخلق دائماً يتجدد ، وهم الغاية في الخلق ، فوجب أن لم يخلق بعد .

وضرورة الإسلام والإيمان والعقل ، تقتضي بطلان (۲) هذين الأمرين ، فإذاً فما معنى قولهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (۳) وأهل بيته (ع) هي (٤) الغاية والعلة لوجود العالم ، فيجب حمل كلامهم على التجوز بزعمهم ، وأنهم ليسوا بالعلة الغائية التي هي من العلل الأربع ، وإنما مرادهم بالغاية هي الأصل ، لإن الله سبحانه خلقهم أولاً وخلق الخلق من شعاع نورهم وفيض جودهم ، وجعل (٥) الخلق فرعاً لوجودهم ، كما خلق الشمس وخلق الشعاع عنها ، وجعله فرعاً لوجودها ومظهراً لأحكامها ، فعلى هذا كل أصل بالنسبة إلى فرعه هذا حكمه ، فالإنسان (٦) الكامل الذي هو الحقيقة المقدسة صلى الله عليها أصل الأصول واسطقس الاسطقسات وايس اليسات (٧) وجوهر الجواهر وأوائل جواهر العلل ، والخلق ما سواها فروع لها ، وأشعة (۸) لأنوارها ، يتوجهون إلى الله تعالى بها ، ويعبدون الله بدلالتها ، وكذلك من دونها ، وأقرب الحقائق إليها ، أصل لما عداه ، وهكذا تترامى السلسلة إلى الجن ، وهم فروع وأشعة لحقيقة (١) الإنسان ، ولكنهم ذوات (۲) وجواهر أصول بالنسبة إلى من دونهم من حقيقة (۳) البهايم والنباتات والجمادات ، وساير أطوار الكائنات ، وهم عون للإمام الظاهر في إجراء (٤) أفعاله ، وشؤونه في مقتضياته ، إذا كان له إرادة مثلاً ، ومصلحة في الأمكنة (٥) البعيدة كالهند والصين ، يبعثهم ويستخدمهم ، وقد سمعت سابقاً استخدام سليمان النبي (ع) (٦) إياهم وفعلهم عجايب (۷) الصنايع له (ع) ، وكذلك الجن عون للشيعة يدفعون عنها المضار ، ويجلبون إليهم (۸) المنافع ، لقد جرت لهم معي قصة طويلة في دفع (٩) المضرة عني ، وجلب الخير إلي ، ولا أحب أن أذكر هنا لئلا أهتك ستر بعض الأشرار ، ولا أظهر خزيهم والعار ، واستعنت بالله وتوكلت عليه في الإعلان (١٠) والإسرار وهو حسبي ونعم الوكيل .


وبالجملة فوجود الجن من أعظم الفوائد والمنافع ، لكنها مستورة الآن في أعين أبناء هذا الزمان ، وإذا استقلت دولة الحق ، وظهر المستور الغائب (۱) عجل الله فرجه ، تتبين فوايدهم ، لإنهم يظهرون بالعيان ، ويشاهدهم كل إنسان ، ويتبين هناك أن فايدتهم كفائدة خلق الإنسان ، إلا أن كلا في مقامه ، فتبين من هذا البيان التام ، أن الغاية في إيجاد الأشياء (٢) لا سيما الجن والإنس معرفة الله من توحيده وعبادته لا غير ، وكل ما سوى التوحيد والعبادة يرجع إليهما (۳) وما قلت من أن الفائدة والغاية (٤) خلقة الإنسان الكامل ، معناه أن الله سبحانه خلق ذلك الإنسان الكامل أولاً ، وافتتح به الإيجاد فكذلك اختتم به ، وفي الزيارة «بكم فتح الله وبكم يختم» (٥) وهذا المعنى وإن كان في الحقيقة ، يوجد في الإنسان الواحد الكامل ونفسه ، ومن هو من سنخه ، لكنه يجري في كل شيء بحسبه ، لأن كل شيء له فروع (٦) وله أشعة ، وله صفات وله آثار ، تتبع ذاته ، وتتفرع عليها وتقوم بها ، وأصل بالنسبة إليها ، وإن كان فرع بالنسبة إلى الأعلى منها ، وإلى هذا المعنى أشير في الزيارة «السلام على الأصل القديم والفرع الكريم» (۷) فهو (ع) أصل بالنسبة إلى ما عداه مما تحته ، وفرع بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن هذا البيان التام افهم معنى قوله (ع) : 

«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (۱) فافهم (٢) وعلى من يفهم الكلام السلام . 


قال سلمه الله تعالى : 

وعلى تقدير تشكلهم بالصور والأشكال ، فهل هذا التشكل والتصور بالصور المختلفة حقيقي أصلي أو مجازي صوري ، تصوروا (۳) لمحض المشابهة ؟ وهل هنا انقلاب حقيقة أم لا ؟ ويقولون إنهم مظاهر قدرة الله ، إلى أي مقام ومرتبة هم مظاهر القدرة ؟ وبالجملة بينوا لنا في هذا الباب بياناً كاملاً ، وحققوا تحقيقاً شاملاً يشمل (٤) جميع أحوالهم من العقل والشرع ، وبينوا لنا علة رؤية أرباب التسخير إياهم دون غيرهم ، وما العلاج في دفع ضررهم وأذياتهم؟ 


أقول قولكم تشكلهم بتلك الأشكال حقيقي أو مجازي ما المراد منه؟ إن كان مرادكم أن تلك الصورة وذلك الشكل (٥) يخرجهم عما هم عليه من كينونة أنفسهم ، كما إذا تصور الكلب بصورة الملح ، وتصور الهواء بصورة الماء ، والماء بصورة الهواء والنار فليس كذلك ، بل هم عند تصورهم بالصور المختلفة باقون على ما هم عليه ، من الحقيقية والذات والمشاعر والمدارك وغير ذلك ، وذلك كتصور جبرئيل (٦) بصورة دحية بن خليفة الكلبي ، (و) كانقلاب الإنسان من صورة الصغر إلى الكبر ومن السمن إلى الهزال ، ومن الصفرة إلى الحمرة ومن البياض إلى السواد ، ومن الطول إلى القصر وأمثال ذلك ، وهذا في الإنسان تدريجي لانجماد طينتهم ، وأما في الجن فدفعي ، لذوبان فطرتهم يتشكلون بأي شكل شاؤوا ، كالشمعة التي تصورها بأي صورة أردت ، فإن (١) أردت بالحقيقي المعنى الأول وبالمجازي الثاني ، فالتشكل (۲) مجازي لا حقيقي ، وإن أردت بالمجازي اختلال العين وتصرف الجن بالقوة الباصرة على حسب ما يتخيلون ، كما يفعله أصحاب علم السيميا ، الذين سخروا الملائكة الثلاثة شمعون وزيتون وسيمون ، فإنهم يظهرون كل (۳) صورة يتخيلونها بالحس الظاهر ، لكنها صورة ظاهرية (٤) لا حقيقة لها ، وإنما بقاؤها ما دام خيال المسخر (٥) فإن أردت الصورة (٦) المجازي هذا المعنى ، فتصور الجن وتشكلهم حقيقي ليس بهذا الوجه ، لإن هذا الوجه لا اختصاص له بالجن ، وإنما هو شأن كل أحد إذا استعمل ذلك الفن مع أنه خرص (۷) واحتمال ما قام عليه دليل ولا برهان ، وكذلك ما قال بعضهم مما نقلناه (۸) عنه سابقاً ، من أن تشكلهم بالصور المختلفة عبارة عن تشكل الهواء المطيف (۱) بهم ، فان ذلك أيضاً مجاز لا حقيقة ، فان الجن لم يتصوروا بل المتصور ذلك الهواء لا غير ، وحيث إن المتصرف فيه الجن نسبت (۲) الصورة إليه تجوزاً ، بل الحق الحقيق بالتحقيق والتصديق ، أن تتغير الصورة وتبدل (۳) الهيئة ، وهذا لا اختصاص له بالجن ، بل أنت أيضاً إذا لطف سرك (٤) واعتدلت طباعك ، تتمكن بأمر الله سبحانه من ذلك كما تقدم ، إذ من المستبين أن الصورة التي أنت عليها والحلية (٥) التي منك ، ترى عرض في جوهرك ، فيزيل الله (٦) ذلك العرض ، ويلبسك ما أردت أن تظهر به من صور الأعراض التي هي لإنسان او لحيوان او نبات أو جماد وجوهرك (۷) باق ، وروحك المدبر على ما هو عليه من العقل ، وجميع القوى باق ، والصورة (۸) جماد أو نبات أو حيوان أو إنسان ، والعقل عقل إنسان وهو متمكن من النطق والكلام ، فإن شاء تكلم بأي لسان انطقه الله سبحانه (٩) فحكمه حكم عين الصورة ، كما أن الروح إذا تجسد (۱۰) إذا رأيته في صورة البشر ، لا بد أن يتكلم بكلام البشر ، أو بصورة حيوان يتكلم بكلام ذلك الحيوان ، بخلاف الإنسان أو (۱) الجن إذا تصوروا بغير صورتهم ، ينطقون بنطقهم ويتكلمون بكلامهم ، فافهم واحفظ وابن على هذا (٢) أمرك ، فان الجن الغلبة النارية والهوائية تشكلها (۳) دفعي لا تدريجي ، والإنس منجمد يحتاج إلى إذابة (٤) المنجمد ، وحل المنعقد بالعلم والعمل ، وأما في التصوير (٥) الحقيقي فالحكم واحد .