الفائدة من خلق الجن

الفائدة من خلق الجن

وأما الفائدة في خلقة الجن ، فما أغفلك عن (۱) قوله تعالى : {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (۲) وفي الزيارة «خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقي وسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم» (۳) وهكذا الفائدة في خلق كل شيء ، وذلك لا ينافي أن يكون شيء تابعاً لشيء أو متبوعاً لشيء ، فرعاً لشيء وأصلاً لشيء ، دالاً على شيء ومدلولاً لشيء ، لازماً لشيء وملزوماً لشيء ، ومتمماً لشيء ومكملاً لشيء ، فاعلاً لشيء ومنفصلاً عن شيء ، ظاهراً لشيء وباطناً لشيء ، وهكذا ربط الموجودات واتصالاتها ، والله سبحانه خلق كل شيء لطاعته وعبادته ، ليحصل (٤) له الترقي إلى مقام قربه ونجواه ، لیظهر به کرمه ، إلا أن الأشياء بعضها أصل وبعضها فرع .


والقول بأن الغاية والفائدة خلقة الإنسان الكامل ، كلام مجمل ، فإن كان مرادكم بالإنسان الكامل ، هو الحقيقة المحمدية صلى الله عليها (٥) فصحيح ، ويدل عليه تأويل قوله تعالى : {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (٦) وقوله تعالى في الحديث القدسي : «خلقتك لأجلي وخلقت الخلق لأجلك» (۷) .


وفي حديث أمير المؤمنين (ع) في بيان خلقة نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن قال (ع) : «فخر نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مغشياً عليه ألف سنة ، فلما أفاق أوحى (الله تعالى خ ل) إليه أنت الحبيب وأنت المحبوب ، وأنت المراد وأنت المريد ، خلقتك لأجلي ، وخلقت الخلق لأجلك» .


وبالجملة هذا شيء معلوم لا سترة (۱) عليه ، وقد قام عليه إجماع المسلمين ، وهو (۲) (صلى الله عليه وآله وسلم) غاية الإيجاد وعلته ، فلولاه ما كان موجوداً ولا مفقوداً ولا ظاهراً ولا باطناً ولا عالياً ولا سافلاً ولا سماءاً ولا أرضاً ولا براً ولا بحراً ولا غيباً ولا شهوداً ولا نوراً ولا ظلمة ولا تابعاً ولا متبوعاً ، وذلك لا ينافي أن يكون خلقة غيره للعبادة ، التي هي الغاية في أصل الوجود ، كما أنها غاية وجوده ، فعبادة الأنبياء (ع) لله تعالى ، لا تتم إلا بالإقرار والإعتراف بالحقيقة المحمدية صلى الله عليها (۳) وخضوعهم وخشوعهم لها ، وانقيادهم لأمرها ونهيها ، وكذلك عبادة الإنسان لله تعالى لا تتم إلا بالإعتراف بالحقيقة (٤) وبالأنبياء ، وخضوعهم وخشوعهم وتذللهم لهم ، وانقيادهم وطاعتهم لهم ، فلو أخلوا بشيء من هذا ما تمت (۱) عبادتهم لله ، وما عبدوا الله ، فإن العبادة لا تكون إلا على الوجه الذي قرره (۲) الله .


وبالجملة فكل شيء يعبد الله ، وخلق لعبادة الله ، إلا أن العبادة لها شرائط ، وآداب تكفلت الشريعة المطهرة (۳) لإثباتها وتحقيقها ، في جميع أطوارها وأحوالها ، وإن كان مرادكم بالإنسان الكامل الذي هو غاية الإيجاد (٤) كل من هو على الصورة الإنسانية ، ممنوع غاية المنع ، لإن الغاية في الشيء هي العلة لوجوده ، وكل أحد ليست له هذه القابلية ، مع أن الكامل المطلق لا يكون إلا من طهره الله عن أدناس لوازم الإمكان ، وأما ما سوى ذلك فلا يتحقق فيه الكمال (٥) المطلق فافهم .