فان قلت إن التصور والتشكل ، لو كان كما ذكرت ، يجب أن لا يمكن (٦) أن يرى الشيء الواحد ، في الوقت الواحد بالصور العديدة المختلفة ، لأنه حين نزع صورة ولبس أخرى ، لا يمكن حين تلبسه بها ، يلبس أخرى ، لاجتماع الضدين ، إلا على النحو (٧) الصورتين المتقدمتين ، مما يستعمله أهل السيميا أو تصوير (۸) الهواء المطيف (۱) بذلك الجوهر ، لكن التالي باطل ، لإن الأئمة (ع) ، قد ظهروا في وقت واحد ، وزمان واحد ، لأشخاص متعددين ، بالصور المتعددة ، وظهور أمير المؤمنين (ع) (۲) في ليلة واحدة ، في وقت واحد لأربعين شخص معلوم مشهور .
وظهور مولانا العسكري (ع) ، مع القائم عجل الله فرجه ، لثلاثة أشخاص ، من أهل قم منهم أحمد (۳) بن إسحاق (ره) مزبور ومسطور ، والملازمة ظاهرة .
قلت إن حكم الأئمة (ع) وظهورهم بالنسبة إلى من عداهم (٤) ، غير ظهور غيرهم ، بعضهم لبعض ، فإنهم سلام الله عليهم علل لوجودهم ، والخلق مرايا وحملة لإشراق ظهورهم ، وإبراز نورهم ، كظهور نور الشمس في القوابل من المرايا والبلور وغيرهما (٥) فالمرايا إذا كانت قوابلها متطابقة ترى الصور والأشباح على عدد المرايا متطابقة ، ولذا (٦) أربعون واحداً (۷) كلهم يقول إنه أمير المؤمنين (ع) ، وإذا كانت المرايا مختلفة ، فتختلف الأشباح والصور فيها على حسب اختلاف المرايا ، فيرى (۸) الناظر الأشباح مختلفة ، كل مرآة تحكي ما فيه ، فيصفون ذلك الأمر الواحد مختلفاً ، كما وصف أولئك القميون كل منهم الإمامين (ع) بوصف غير وصف الآخر ، والكل صادقون يخبرون عن ظهورهما (ع) لهم بهم (۱) فاختلافهم دليل اختلاف قوابل (۲) حقايقهم ، وكذلك ظهورهم (ع) للأموات عند الاحتضار ، يظهرون لكل أحد على حسب ما هو عليه من قوة النور وضعفه ، وإن كانت قوابل الموتى الذين (۳) لهم قابلية حضورهم ، قد اشتركت في التصفية البالغة ، حتى تأهلت لظهورهم فيها وتجليهم عليها ، وهذا التجلي والإشراق لم يبرحا مع كل أحد ، إلا أن الظهور التام لا يكون إلا بكمال التوجه ، وهو لا يكون إلا بقطع العلايق ، وهو في الغالب يكون عند الموت ، فتلك الصور التي يظهرون بها سلام الله عليهم ، ليست نزع صورة ولبس أخرى ، بل إنما هي أشباح وأمثال وآيات قال تعالى :
{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}
وقد قال مولانا مولا الصادق (ع) : «أي آية أرى (٥) الله الخلق في الآفاق وفي أنفس الخلائق غيرنا» (٦) وهذا (۷) بخلاف الجن ، فإنهم يلبسون صورة وينزعون أخرى وهكذا ، ولا يسعهم يظهرون في وقت واحد ، وآن واحد ، في (١) شخص واحد بصور متعددة ، كما في الأئمة (ع) ، إلا أن يستعملوا تلك الوجوه من عمل السيميا ، وما يستعمله السحرة الأشقياء ، وذلك خلاف مقتضى كينونتهم ، ومقتضى مقامهم ومرتبتهم .