فالأقسام ثلاثة : فان كانوا مطيعين وماتوا والله سبحانه وتعالى راض عنهم ، فهؤلاء من أهل الجنة ، وليس حال هؤلاء مثل حال الإنس ، أن لا يروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (ع) إلا عند موتهم ، بل هؤلاء لقلة أنياتهم وذوبانهم ، إذا ما توغلوا (٤) في المعاصي ، يصلون إلى الإمام (ع) ويرونه ، بل ويرون (٥) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأئمة (ع) (٦) إذا ظهروا وتجلببوا بجلباب (۷) أهل هذه الدنيا ، من سنخ أجسام العالم الأول ، يوم كان طالع الدنيا سرطان والكواكب في اشرافها وهو جسم ، تقدر (١) أبصار أهل هذه (۲) الدنيا أن تشاهده ، والجن يشاهدونهم في تلك الأجسام .
وبالجملة فمؤمن الجن أكثر حظاً من الإنس بالاتصال بهم ومشاهدتهم ، وإن كانوا أقل حظاً في معرفتهم ، وإدراك المقامات التي جعلها لهم ، فهؤلاء يشاهدونهم عند الموت ، كماحض الإيمان من الإنس ، إلا أن ماحض الإيمان من الإنس ، يظهر لهم من مقام عظمتهم وجلالتهم ، ما لم يظهر عشر معشاره ، بل جزء من مئة ألف جزء ، من مئة ألف جزء (۳) من رأس الشعير للجن ، وهم في غبطة وسرور ، إلى أن دخلوا (٤) في القبر ، ويأتيهم رومان فتان القبور ، فيملي عليهم أعمالهم ويجعلها (٥) في أعناقهم ، وفي القرآن ، وإن كان نص على الإنسان في قوله تعالى (٦) :
{وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (۷) إلا أن الحكمة المقتضية لهذا الإلزام جارية ، وثابتة لكل المكلفين ، فبعد خروج رومان فتان القبور ، يأتيهم الملكان الأسودان الأزرقان رأساهما (۸) في السماء السابعة ، ورجلاهما في الأرض السابعة ، يخطان الأرض خطاً ، ويسألانهم عن جملة الإعتقادات بعين ما ذكرنا في رومان فتان القبور حرفاً بحرف ، إلا أن رومان ونكير ومنكر الذين يأتون عند الجن ، ليس هم الذين يأتون عند الإنس ، وكذلك ملك الموت الذي يقبض (١) روح الجن غير ملك الموت الذي يقبض روح الإنس ، بل الملائكة المتعلقين والموكلين على الجن ، من فاضل نور الملائكة الموكلين بالإنس (۲) لما بينا وشرحنا ، أن الجن إنما خلقوا من شعاع (۳) نور الإنس ، والطفرة في الوجود باطلة ، وإنما تحد أنفسها والآلات إنما تشير (٤) إلى نظائرها ، فإذا فرغوا من السؤال ، ينقل بهم من قبورهم بأرواحهم دون أجسادهم إلى الجنة ، وهذه الجنة ليست من الجنان الأصلية البرزخية ، وإنما هي شعاع من الجنان الأصلية ، وهي التي تسمى بالحظاير ، فهناك مقرهم أن تظهر دولة الحق ، فيرجعون كما ترجع (٥) الإنس ، لوجود المقتضي ورفع المانع (روي في مختصر البصائر - الحسن بن سليمان الحلي) .
وعنه بهذا الإسناد قال : سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله جل وعز :
{إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ} إلى آخر الآية ، فقال : «ذلك في الميثاق» .
ثم قرأت {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ} إلى آخر الآية فقال أبو جعفر (ع) :
«لا تقرأ هكذا ولكن اقرأ : التائبين العابدين» إلى آخر الآية .
ثم قال : «إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك هم الذين يشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني في الرجعة» .
ثم قال أبو جعفر (ع) : «ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة ، من مات بعث حتى يقتل ، ومن قتل بعث حتى يموت» (١) .
يؤمن بأن سبيل الله هو علي (ع) ، والقتل في سبيل الله هو القتل في سبيل علي (ع) ، والمؤمن يعم الجميع ، والعقل قاطع بان المقتضى لهذه الأمور كلها الإيمان والمعرفة ، فحيث ما تحققا تجري عليه أحكامهما (۲) فإذا نفخ في الصور وجاء يوم القيامة ، فمؤمن الجن ، يقفون في صف التابعين لا في صف الأناسي ، وكلما يجري على الإنسان يجري عليهم ، إلا أن الإنس أقوى منهم بسبعين ألف درجة .
وأما الدور في الآخرة تسعة وعشرون ، ثمان منها الجنة من الجنان الأصلية ، وسبعة منها جنان الحظاير ، لان كل حظيرة ظل من جنة (۳) وأما جنة عدن لصفائها ونورانيتها ولطافتها فليس لها ظل ، فكانت الجنان الأصلية ثمانية ، والحظائر سبعة ، فحيث إن الجن تبع للإنس ، مخلوقون من شعاع نورهم ، فلا يمكن اجتماعهم معهم في جنة واحدة ، فوجب أن يكون ما من المنير للمنير (٤) وما من الشعاع للشعاع (٥) سبحان الذي أتقن صنع كل شيء ، إنه بكل شيء عليم .
وأما من (١) كان من العصاة ، إذا كان معصيته في الاعتقاد هؤلاء (۲) هم الكفار ، يدخلون النار ، نار الحظاير ، فإن النار سبع طبقات هي الأصليات ، ولكل طبقة ظل تسمى حظاير ، ففي الأحاديث تعبر (۳) عنها بالضحضاح ، فكانت النيران أربعة عشر داراً ، أعاذنا الله منها ، والجنان خمسة عشر ، جعلنا الله من أهلها وسكانها ، والمتنعمين بنعيمها .