اختبار الله عز وجلّ للمعصومين (ع)

اختبار الله عز وجلّ للمعصومين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

[س] كيف اختبر الله المعصومين (ع) ؟ مع الأدلة .


[ج] إن الله عز وجل اختار واختبر المعصومين (ع) ، قبل خلقتهم أي قبل ظهورهم بالقيود الستة : 

من الكم ، والكيف ، والمكان ، والزمان ، والجهة ، والرتبة 


حيث إن الله سبحانه خلقهم قبل سماء مرفوعة ، وأرض موضوعة ، وقبل العرش والكرسي واللوح والقلم ، بل خلقهم قبل كل مذروء ومبروء ، فالله تعالى خلقهم قبل الزمان والمكان ، وقبل كل شيء ، وهذا منطوق الكتاب والسنة من الروايات المتظافرة عندنا ، فمن كثرتها لا يمكن ذكرها جميعا منها قوله تعالى  :

{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى} (١) 


فالمختار الحقيقي للوحي التأسيسي ، الذي طوى عالم الإمكان والتكوين ، هو محمد رسول الله وأهل بيته (ع) ، وجميع ما عند الأنبياء (ع) من فاضل نورانيتهم سلام الله عليهم ، وكذلك في قوله سبحانه :

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} (۲) 


فالذي خلقه الله تعالى لنفسه هم محمد وآل محمد عليهم السلام فقط ، وباقي الخلائق مطلقاً من تعليمهم ونورهم ، قال الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) : لجابر بن يزيد الجعفي :

«يا جابر إن لنا عند الله منزلة ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق الله أرضاً ولا سماءاً ولا جنة ولا ناراً ولا شمساً ولا قمراً ولا براً ولا بحراً ولا سهلاً ولا جبلاً ولا رطباً ولا يابساً ولا حلواً ولا مراً ولا ماءاً ولا نباتاً ولا شجراً اخترعنا الله من نور ذاته لا يقاس بنا بشر . 

بنا أنقذكم الله عز وجل ، وبنا هداكم الله ، ونحن والله دللناكم على ربكم ، فقفوا على أمرنا ونهينا ، ولا تردوا كل ما ورد عليكم منا ، فإنا أكبر وأجل وأعظم وأرفع ، من جميع ما يرد عليكم ، ما فهمتموه فاحمدوا الله عليه ، وما جهلتموه فكلوا أمره إلينا وقولوا : 

أئمتنا أعلم بما قالوا» (١) .


قال الشيخ الصدوق : عن أبي (رحمه الله) ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : 

«إن الله عز وجل خلقاً من رحمته ، خلقهم من نوره ورحمته من رحمته لرحمته ، فهم عين الله الناظرة ، وأذنه السامعة ، ولسانه الناطق في خلقه بإذنه ، وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة ، فبهم يمحو السيئات ، وبهم يدفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة ، وبهم يحيي ميتاً ، وبهم يميت حياً ، وبهم يبتلي خلقه ، وبهم يقضي في خلقه قضيته ، 

قلت : جعلت فداك من هؤلاء؟ 

قال : الأوصياء» (۲) .


وفي زيارة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع) «يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك ، فوجدك لما امتحنك صابرة» (١) . 


فالصديقة فاطمة الزهراء وأبوها وبعلها وبنوها (ع) ، امتحنهم واختبرهم قبل أن يظهروا للعالم ، وبعد ظهورهم إلى نزولهم إلى عالم الدنيا ، في تبليغهم أمر الله سبحانه ، وصبرهم على أنواع البلايا والمصائب العظام ، كما هو معروف عند العامة والخاصة . 


روي في الخصال قال حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه قال : حدثنا أبو حامد قال : حدثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالدي قال : حدثنا محمد بن أحمد بن صالح التميمي ، عن أبيه قال : حدثنا محمد بن حاتم القطان ، عن حماد بن عمرو ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده ، عن علي بن أبي طالب (ع) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في وصيته له : 

«يا علي إن الله عز وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي ، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك ، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين» (٢) .


وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ميلاد علي بن أبي طالب (ع) فقال : 

«آه آه سألت عجباً يا جابر عن خير مولود ولد بعدي على سنة المسيح ، إن الله تعالى خلقه نوراً من نوري ، وخلقني نوراً من نوره ، وكلانا من نور واحد ، وخلقنا من قبل أن يخلق سماء مبنية وأرض مدحية ، ولا كان طول ولا عرض ، ولا ظلمة ولا ضياء ، ولا بحر ولا هواء ، بخمسين ألف عام ، ثم إن الله عز وجل سبح نفسه فسبحناه ، وقدس ذاته فقدسناه ، ومجد عظمته فمجدناه ، فشكر الله تعالى ذلك لنا ، فخلق من تسبيحي السماء فمسكها ، والأرض فبطحها ، والبحار فعمقها ، وخلق من تسبيح علي الملائكة المقربين ، فجميع ما سبحت الملائكة لعلي وشيعته .


يا جابر إن الله تعالى عز وجل نسلنا فقذف بنا في صلب آدم (ع) ، فأما أنا فاستقررت في جانبه الأيمن ، وأما علي فاستقر في جانبه الأيسر ، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (ع) ، في الأصلاب الطاهرة ، فما نقلني من صلب إلا نقل علياً معي ، فلم نزل كذلك حتى أطلعنا الله تعالى من ظهر طاهر ، وهو ظهر عبد المطلب ، ثم نقلني من ظهر طاهر ، وهو ظهر عبد الله ، واستودعني خير رحم وهي آمنة ، فلما ظهرت ارتجت الملائكة ، وضجت ، وقالت إلهنا وسيدنا ما بال وليك علي لا نراه مع النور الأزهر ، يعنون بذلك محمداً ، فقال الله عز وجل إني أعلم بوليي وأشفق عليه منكم ، فأطلع الله عز وجل علياً من ظهر طاهر ، من بني هاشم ، فمن قبل أن يصير في الرحم» (۱) .


لأنهم (ع) خلقهم تعالى من نوره ، كما قال الإمام علي الهادي في الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الشيخ الصدوق «ونوره وبرهانه عندكم ، وأمره إليكم» (٢) أي نور خلقه الله ، وهو نورهم ، ونسبه إلى نفسه ، كما في انتساب الكعبة المشرفة إليه ، فاختبرهم تكوينا وتشريعاً للولاية العظمى له دونه سبحانه ، وجعلهم معرفين له في الآفاق والأنفس ، فمن ادعى معرفة الله بدونهم ، فقد أخطأ ، وضل عن الطريق ، فمن تصفح روايات أهل البيت له وجد هذا المعنى متواتراً واضحاً .