وأما علاج دفع أذيتهم فشيئان :
الأول : أن لا تخاف منهم ، بمعنى أن لا تجعل في قلبك منهم خوف (۲) إذا رأيتهم ، لإنهم أقل مرتبة منك ، وإنهم محتاجون إليك وإلى نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) (۳) ولست بمحتاج (٤) إليهم ولا إلى نبيهم ، وأنت أعلم منهم ، وأبصر بمعرفة دينك ، وأنهم خلقوا من شعاع نورك ، فحينئذ أي محل للخوف منهم وصورتهم ، وإن كانت مهولة ، لكنك إذا تثبت (٥) وعرفت مقامك ومقامهم ، يذهب عنك الهول ، الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ، إن ربنا لغفور شكور .
والثاني : تلاوة القرآن لا سيما آية الكرسي ، والأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع) ، وهي كثيرة موجودة في كتب الأدعية من تصانيف العالم الزاهر جمال الدين بن طاووس ، وكتب المجلسي (ره) وغيرهما ، تتبع تجد فأني في شغل عن كتابة تلك الأدعية والأوراد ، واعمل بقوله (ع) ، خذ من القرآن ما شئت تسلم ، وصلى (١) الله على محمد وآله الطاهرين ، قد فرغ من إنشادها منشئها يوم الأربعاء الحادي والعشرين (۲) من شهر رجب ، وذلك في الهور ، حين التوجه لزيارة أمير المؤمنين (ع) ، في السنة السابعة من بعد الخمسين والألف والمئتين ، حامداً ومسلماً وشاكراً والحمد لله أولاً وآخراً) (۳)
ذكرناها بطولها ، لما تحتوي على تحقيقات عالية ، ومعاني زاخرة ، لم يسبقه سابق ولم يلحقه لا حق ، فجديرة بالذكر في مقامنا هنا
ومما روي عن أهل البيت (ع) الله لدفع أذية الجن ، قال الشيخ محمد باقر المجلسي (رحمه الله) «ومن الأحراز المشهورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الحرز المعروف بحرز أبي دجانة الأنصاري (رضي الله عنه) لدفع الجن والعين» (٤)
قال أبو دجانة واسمه سماك بن خرشة : «شكوت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أني نمت في فراشي فسمعت صريراً كصرير الرحا ، ودوياً كدوي النحل ، ولمعاناً كلمع البرق ، فرفعت رأسي فإذا أنا بظل أسود يعلو ويطول بصحن داري ، فمسست جلده ، فإذا هو كجلد القنفذ ، فرمى في وجهي مثل شرر النار ،
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عامر دارك يا أبا دجانة ، ثم طلب دواة وقرطاساً ، وأمر علياً (ع) أن يكتب «بسم الله الرحمن الرحيم .
هذا كتاب من رسول رب العالمين ، إلى من طرق الدار من العمار والزوار إلا طارقاً يطرق بخير ، أما بعد :
فإن لنا ولكم في الحق سعة ، فان يكن عاشقاً مولعاً ، أو فاجراً مقتحماً ، فهذا كتاب الله ينطق علينا وعليكم بالحق ، إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ، إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ، اتركوا صاحب كتابي هذا ، وانطلقوا إلى عبدة الأصنام ، وإلى من يزعم أن مع الله إلهاً آخر ، لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون ، حم لا يبصرون ، حمعسق ، تفرق أعداء الله ، وبلغت حجة الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم» .
قال أبو دجانة : فأخذت الكتاب وأدرجته وحملته إلى داري ، وجعلته تحت رأسي ، فبت ليلتي ،
فما انتبهت إلا من صراخ صارخ يقول : يا أبا دجانة أحرقتنا بهذه الكلمات ، فبحق صاحبك إلا ما رفعت عنا هذا الكتاب ، فلا عود لنا في دارك ، ولا في جوارك ، ولا في موضع يكون فيه هذا الكتاب ،
قال أبو دجانة : لا أرفعه حتى أستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قال أبو دجانة : ولقد طالت علي ليلتي ، مما سمعت من أنين الجن وصراخهم وبكائهم حتى أصبحت ، فغدوت فصليت الصبح مع رسول الله ، وأخبرته بما سمعت من الجن ليلتي وما قلت لهم ،
فقال : يا أبا دجانة ارفع عن القوم ، فو الذي بعثني بالحق نبياً ، إنهم ليجدون ألم العذاب إلى يوم القيامة» (١) .
وروي في أمالي الطوسي : الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه (ع) قال : دخل أشجع السلمي على الصادق (ع) وقال : يا سيدي أنا كثير الأسفار ، وأحصل في المواضع المفزعة ، فتعلمني ما آمن به على نفسي ، قال :
«فإذا خفت أمراً فاترك يمينك على أم رأسك ، واقرء برفيع صوتك أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون»
قال أشجع : فحصلت في واد نعتت فيه الجن ، فسمعت قائلاً يقول خذوه ، فقرأتها فقال قائل : كيف نأخذه وقد احتجز بآية طيبة :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا تغولت الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة» (۱)
وروي عن عبد الله بن زهير العابد وكان من زهاد الشيعة ، عن عبد الله ابن الفضل النوفلي ، عن أبيه قال : شكى رجل إلى أبي عبد الله الصادق (ع) فقال : إن لي صبياً ربما أخذه ريح أم الصبيان ، فآيس منه لشدة ما يأخذه ، فإن رأيت يا ابن رسول الله أن تدعو الله عز وجل له بالعافية ، قال : فدعا الله عز وجل له ،
ثم قال : «اكتب له سبع مرات الحمد بزعفران ومسك ، ثم اغسله بالماء ، وليكن شرابه منه شهراً واحداً ، فإنه يعافى منه ، قال : ففعلنا به ليلة واحدة ، فما عادت إليه واستراح واسترحنا» (۲) وريح أم الصبيان هو وجع الجن للأطفال .
وروي عن إبراهيم بن المنذر الخزاعي ، عن أحمد بن محمد بن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (ع) قال : «تعوذ المصروع ، وتقول : «عزمت عليك يا ريح بالعزيمة التي عزم بها علي بن أبي طالب (ع) [رسول] رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، على جن وادي الصبرة ، فأجابوا وأطاعوا ، لما أجبت وأطعت وخرجت عن فلان بن فلانة الساعة» (۱) .
وروي عن جعفر بن حنان الطائي ، عن محمد بن عبد الله بن مسعود ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال : قال أبو عبد الله (ع) الرجل من أوليائه ، وقد سأله الرجل فقال : يا ابن رسول الله إن لي بنية وأنا أرق لها وأشفق عليها ، وإنها تفزع كثيراً ليلاً ونهاراً ، فان رأيت أن تدعو الله بالعافية ،
قال : «فدعا لها ثم قال : مرها بالفصد ، فإنها تنتفع بذلك» (۲) .
وعن أبي جعفر محمد الباقر (ع) أنه شكى إليه رجل من المؤمنين فقال : يا ابن رسول الله إن لي جارية يتعرض لها الأرواح ،
فقال : «عوذها بفاتحة الكتاب والمعوذتين عشراً عشراً ، ثم اكتبه لها في جام بمسك وزعفران ، فاسقها إياه ، يكون في شرابها ووضوئها وغسلها ، ففعلت ذلك ثلاثة أيام ، فذهب الله به عنها» (۳) .
وروي عن محمد بن بكير ، عن صفوان بن اليسع ، عن المنذر بن هامان ، عن محمد بن مسلم وسعد المولى قالا : قال أبو عبد الله (ع) :
«إن عامة هذه الأرواح من المرة الغالبة ، أو الدم المحترق ، أو بلغم غالب ، فليشتغل الرجل بمراعاة نفسه ، قبل أن يغلب عليه شيء من هذه الطبائع فيهلكه» (۱)
وهذا معنى كلام آية الله السيد كاظم الرشتي فيما سبق بقوله :
(ولذا ترى من هاجت عليه المرة الصفراء غلبته (۲) على مزاجه ، فإذا مر به جني من سكان كرة النار ، وجد له محلاً مناسباً تعلق به ، فإذا تعدلت الطبيعة ، وذهب هيجان تلك المرة ، لا يجد محلاً لاستقراره فيذهب ، وهكذا سكان الهواء والماء والتراب ، يتعلقون بمن هاج عليه الدم والبلغم والسوداء (۳) ، ويذهبون عنه (٤) تعديل المزاج ، ولذا يؤثر فيهم الرقى ، وعلاج الطبيب فافهم)
وعن أبي الحسن الرضا (ع) : «أنه رأى مصروعاً فدعا له بقدح فيه ماء ، ثم قرأ عليه الحمد والمعوذتين ، ونفث في القدح ، ثم أمر فصب الماء على رأسه ووجهه فأفاق ، وقال له : لا يعود إليك أبداً» (٥)
وروي عن المظفر بن محمد بن عبد الرحمان ، عن ابن أبي نجران ، عن سليمان ابن جعفر ، عن إبراهيم بن أبي يحيى المدني قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من رمي أو رمته الجن فليأخذ الحجر الذي رمي به ، فليرم من حيث رمي ، وليقل حسبي الله وكفى ، وسمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله منتهی» (۱)
ومما يطرد الجن عن الأطفال ، اتخاذ الطيور في البيوت ، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أكثروا من الدواجن في بيوتكم ، تتشاغل بها الشياطين عن صبيانكم» (٢)
وروي عن أبي عبيدة بن محمد بن عبيد ، عن أبيه ، عن النضر ، عن اليسر ، عن أبي عبد الله (ع) قال : إن رجلاً قال له : يا ابن رسول الله إن لي جارية يكثر فزعها في المنام . وربما اشتد بها الحال ، فلا تهدأ ويأخذها خدر في عضدها ، وقد رآها بعض من يعالج فقال : إن بها مساً من أهل الأرض ، وليس يمكن علاجها . فقال (ع) : «مرها بالفصد ، وخذ لها ماء الشبت المطبوخ بالعسل ، وتسقى ثلاثة أيام قال : ففعلت ذلك فعوفيت بإذن الله عز وجل» (۳) .
ذكر الراوندي : كتب إلى أبي الحسن العسكري (ع) بعض مواليه في صبي له يشتكي ريح أم الصبيان ، فقال : «اكتب في رق وعلقه عليه ، ففعل فعوفي بإذن الله ، والمكتوب هذا : بسم الله العلي العظيم الحليم الكريم ، القديم الذي لا يزول ، أعوذ بعزة الحي الذي لا يموت من شر كل حي يموت» (١) .
في كتاب زيد الزراد : قال سألت أبا عبد الله (ع) فقلت : الجن يخطفون الإنسان؟ فقال:
«مالهم إلى ذلك سبيل ، لمن يكلم بهذه الكلمات إذا أمسى وأصبح يا معشر الجن والإنس إن استطعتم إن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ، لا سلطان لكم علي ولا على داري ، ولا على أهلي ولا على ولدي ، يا سكان الهواء ، ويا سكان الأرض ! عزمت عليكم بعزيمة الله التي عزم بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على جن وادي الصبرة ، أن لا سبيل لكم علي ولا على شيء من أهل حزانتي ، يا صالحي الجن يا مؤمني الجن عزمت عليكم بما أخذ الله عليكم من الميثاق بالطاعة لفلان بن فلان حجة الله على جميع البرية والخليقة (وتسمي صاحبك) أن تمنعوا عني شر فسقتكم حتى لا يصلوا إليّ بسوء ، أخذت الله على أسماعكم ، وبعين الله على أعينكم ، وامتنعت بحول الله وقوته على حبائلكم ومكركم إن تمكروا يمكر الله بكم ، وهو خير الماكرين . وجعلت نفسي وأهلي وولدي وجميع حزانتي في كنف الله وستره ، وكنف محمد ابن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكنف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، استترت بالله وبهما ، وامتنعت بالله وبهما ، واحتجبت بالله وبهما ، من شر فسقتكم ومن شر فسقة الإنس والعرب والعجم ، فان تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم . لا سبيل لكم ولا سلطان ، قهرت سلطانكم بسلطان الله ، وبطشكم ببطش الله ، وقهرت مكركم وحباء لكم وكيدكم ورجلكم وخيلكم وسلطانكم وبطشكم بسلطان الله ، وعزه وملكه وعظمته وعزيمته ، التي عزم بها أمير المؤمنين (ع) على جن وادي الصبرة ، لما طغوا وبغوا وتمردوا ، فأذعنوا له صاغرين من بعد قوتهم ، فلا سلطان لكم ولا سبيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» (۱) .
ومنه قال : حججنا سنة فلما صرنا في خرابات المدينة بين الحيطان افتقدنا رفيقاً لنا من إخواننا فطلبناه فلم نجده ، فقال لنا الناس بالمدينة : إن صاحبكم اختطفته الجن فدخلت على أبي عبد الله (ع) وأخبرته بحاله ، وبقول أهل المدينة فقال لي :
«اخرج إلى المكان الذي اختطف أو قال : افتقد فقل بأعلى صوتك يا صالح ابن علي !! إن جعفر بن محمد يقول لك : أهكذا عاهدت وعاقدت الجن علي بن أبي طالب اطلب فلاناً حتى تؤديه إلى رفقائه ، ثم قال : يا معشر الجن عزمت عليكم بما عزم عليكم علي بن أبي طالب ، لما خليتم عن صاحبي وأرشدتموه إلى الطريق» .
قال : ففعلت ذلك فلم ألبث إذا بصاحبي قد خرج علي من بعض الخرابات فقال : إن شخصاً تراثا لي ما رأيت صورة إلا وهو أحسن منها ، فقال : يا فتى أظنك تتولى آل محمد ؟ فقلت : نعم ، فقال : إن ههنا رجل من آل محمد هل لك أن تؤجر وتسلم عليه ؟ فقلت : بلى ، فأدخلني بين هذه الحيطان ، وهو يمشي أمامي ، فلما أن سار غير بعيد ، نظرت فلم أر شيئاً وغشي علي ، فبقيت مغشياً علي ، لا أدري أين أنا من أرض الله ، حتى كان الآن ، فإذا قد أتاني آت وحملني حتى أخرجني إلى الطريق .
فأخبرت أبا عبد الله بذلك فقال : ذلك الغوال أو الغول ، نوع من الجن يغتال الإنسان ، فإذا رأيت الشخص الواحد فلا تسترشده ، وإن أرشدكم فخالفوه ، وإذا رأيته في خراب ، وقد خرج عليك ، أو في فلاة من الأرض فأذن في وجهه ، وارفع صوتك وقل : «سبحان الله الذي جعل في السماء نجوماً رجوماً للشياطين ، عزمت عليك يا خبيث بعزيمة الله التي عزم بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ورميت بسهم الله المصيب الذي لا يخطئ ، وجعلت سمع الله على سمعك وبصرك ، وذللتك بعزة الله ، وقهرت سلطانك بسلطان الله ، يا خبيث لا سبيل لك علي» فإنك تقهره إن شاء الله ، وتصرفه عنك .
فإذا ضللت الطريق فأذن بأعلى صوتك وقل : «يا سيارة الله دلونا على الطريق يرحمكم الله ، أرشدونا يرشدكم الله فان أصبت وإلا فناد يا عتاة الجن ، ويا مردة الشياطين ، أرشدوني ودلوني على الطريق ، وإلا أسرعت لكم بسهم الله المصيب إياكم عزيمة علي بن أبي طالب ، يا مردة الشياطين إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان مبين ، الله غالبكم بجنده الغالب ، وقاهركم بسلطانه القاهر ، ومذللكم بعزه المتين ، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، وارفع صوتك بالأذان ترشد ، وتصب الطريق إن شاء الله» (۱)
وهناك روايات كثيرة ، من أرادها فليطلبها من محلها في كتب الحديث ، والموجود إن شاء الله به الكفاية .