ذكر بعض العلماء تعليقات عن العين

ذكر بعض العلماء تعليقات عن العين

قال سلمه الله تعالى - ولم نجد أحداً من العلماء تعرض لها إلا نادر منهم ولم يذكر تفاصيلها .


أقول - قد تعرض لها جماعة من العلماء والحكماء ، وأنا أذكر لك ما وقفت عليه من كلماتهم ، لتعرف أنها ليست مما يشفي العليل ، ويروي الغليل ، 


قال الجاحظ : 

(لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة ، أجزاء لطيفة ، تتصل به وتؤثر فيه ، ويكون هذا المعنى خاصة في بعض الأعين ، كالخواص في بعض الأشياء) 


وقال الرازي : 

(أن الشخص إذا استحسن شيئاً ، فقد يحب بقاءه ، كما يستحسن ولد نفسه وبستان نفسه ، وقد يكره بقاءه ، كما إذا استحسن الحاسد ، بحصول شيء حسن لعدوه ، فإن كان الأول ، فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان ، خوف شديد من زواله ، والخوف الشديد ، يوجب انحصار الروح في داخل القلب ، فحينئذ تسخن (۱) القلب والروح جداً ، وتحصل في الروح الباصر ، كيفية قوة مسخنة .

وإن كان الثاني : فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان ، حسد شدید وحزن عظيم ، بسبب حصول تلك النعمة لعدوه ، والحزن أيضاً يوجب (۲) انحصار الروح في داخل القلب ، فتحصل فيه سخونة شديدة ، فثبت أن عند الاستحسان القوي ، يسخن الروح جداً ، فيسخن شعاع العين ، بخلاف ما إذا لم يستحسن ، فإنه لا تحصل هذه السخونة) .


وقال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي :

(لا يمتنع أن يكون العين حقاً ، ويكون معناه أن صاحب العين ، إذا شاهد الشيء ، وأعجب به استحساناً ، كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشخص و (۳) ذلك الشيء ، حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقاً به ، فهذا التغيير غير ممتنع ، ثم لا يبعد أيضاً أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة ، وبعد عن الإعجاب ، وسأل ربه ، فعنده تتغير المصلحة ، والله سبحانه يبقيه ولا يفنيه ، ولما كانت هذه العادة مطردة ، لا جرم قيل للعين حق)


ونقل الرازي عن الحكماء أنهم قالوا : 

(هذا الكلام مبني على مقدمة : وهي أنه ليس من شرط المؤثرات ، أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة ، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، بل قد يكون التأثير نفسانياً محضاً ، ولا تكون القوى الجسمانية لها تعلق به ، والذي يدل عليه ، أن اللوح الذي يكون قليل العرض ، إذا كان موضوعاً على الأرض ، قدر الإنسان على المشي عليه ، ولو كان موضوعاً فيما بين جدارين عاليين ، لعجز الإنسان عن المشي عليه ، وما ذاك (۱) إلا لأن خوفه من السقوط منه ، يوجب سقوطه منه ، فعلمنا أن التأثرات النفسانية موجودة .

وأيضاً إن الإنسان إذا تصور كون فلان موذياً له ، حصل في قلبه غضب وسخن مزاجه ، فمبدأ تلك السخونة ليس إلا ذاك التصور النفساني ، ولأن مبدأ الحركات البدينة (٢) ليس إلا التصورات النفسانية ، ولما ثبت أن تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص ، لم يبعد أيضاً أن يكون بعض النفوس ، تتعدى تأثيراتها إلى سائر الأبدان ، فثبت (۳) أنه لا يمتنع في العقل ، كون النفس مؤثرة في سائر الأبدان أيضاً ، وجواهر النفوس مختلفة بالماهية ، فلا يمتنع أن يكون بعض النفوس ، بحيث يؤثر في تغییر بدن حيوان آخر ، بشرط أن تراه وتتعجب منه ، فثبت أن هذا المعنى أمر محتمل (۱) ، والتجارب من الزمن الأقدم ساعدت عليه ، والنصوص النبوية نطقت به ، فعند هذا لا يبقى في وقوعه شك ، وإذا ثبت أن الذي أطبق عليه المتقدمون من المفسرين ، في تفسير هذه الآية بإصابة العين کلام حق لا يمكن رده هـ)


وقال الشريف الأجل ، الرضي الموسوي - قدس الله روحه - :

(من إن الله سبحانه يفعل المصالح بعباده ، على حسب ما يعمله (٢) الصلاح لهم (۳) ، في تلك الأفعال التي يفعلها ، فغير ممتنع أن يكون تغييره نعمة زيد لمصلحة عمرو ، وإذا كان يعلم من حال عمرو أنه لو لم يسلب زيداً نعمته ، أقبل على الدنيا بوجهه ، ونأى عن الآخرة بعطفه ، وإذا سلب نعمة زيد للعلة التي ذكرناها ، عوضه عنها وأعطاه بدلاً منها عاجلاً وآجلاً ، فيمكن أن يناول قوله (ع) العين حق على هذا الوجه ، على أنه قد روى عنه (ع) ، ما يدل على أن الشيء إذا عظم في صدور العباد ، وضع الله قدره ، وصغر أمره ، وإذا كان الأمر على هذا ، فلا ينكر تغيير حال بعض الأشياء ، عند نظر بعض الناظرين إليه ، واستحسانه له ، وعظمه في صدره وفخامته في عينه ، كما روى أنه قال لما سبقت ناقته الغضباء (۱) ، وكانت إذا سوبق بها لم تسبق ، (قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) «ما رفع العباد من شيء إلا وضع الله منه» (٢)

ويجوز أن يكون ما أمر به المستحسن للشيء عند رؤيته ، من تعويذه بالله ، والصلاة على رسول الله ، قائماً في المصلحة ، مقام تغيير حالة الشيء المستحسن ، فلا تغيير عند ذلك ، لأن الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى ، والإعاذة به ، فكأنه غير راكن إلى الدنيا ، ولا مغتر بها انتهى كلامه (ره )) .


وباقي الأقوال التي لم نذكر من نوع ما ذكرناه ، وهي في البطلان بمكان ، فلا يحتاج إلى بيان ، وقد سمعت من البعض نقلاً عن بعض الحكماء : 

(أن السر في ذلك ، أن النفس الشريرة تربي البدن على مقتضاها ، فتفسد البدن لمكان المناسبة بين النفس والجسم ، فتظهر آثار فسادها في العين ، التي هي ألطف الأعضاء وأصفاها وأشرفها ، فتؤثر في الخارج ، وذلك هي علة الإصابة) .


وهذا كما ترى ويلزم من ذلك ، أن تكون النفوس الخيرة ، تظهر منها بواسطة العين ، من إصلاح البدن ، مقابلات ما تظهر من النفوس الشريرة أن الوجدان ينادى بخلافه ، والعيان يشهد بفساده ، مع أن ذلك يستلزم ظهور البدن على ما عليه النفس ، وأن الجسد لا تخالف النفس ، وأن لا يكون هناك لطخ وخلط ، يقتضيان مخالفة مقتضى البدن ، للأعراض الغريبة ، مع مقتضى النفس ، وعلى هذا يجب أن لا يكون الكافر إلا قبيح الصورة ، مشوه الخلقة ، بادي العورة ، منكس الرأس ، مقوس الظهر ، ولا يكون المؤمن إلا حسن الصورة ، جميل الوجه ، معتدل المزاج ، بريء عن الاعوجاج ، متناسب الأعضاء ، كما هو شأنه ، كالكافر في الآخرة ، عند رجوع كل فرع إلى أصله ، مع أن الضرورة تشهد بخلاف ذلك في الدنيا .


وبالجملة أن هذا القول ساقط من أصله ، ولا يشبه كلام حكيم ، من قوله تعالى : {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (۱) .