الوفاء بالعهد

خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي 

 ١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ


الوفاء بالعهد


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ، البشير النذير ، والسراج المنير ، أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، المعصومين المكرمين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، واللعن الدائم على أعدائهم ، ومخالفيهم ، وغاصبي حقوقهم ، ومنكري فضائلهم ، من الآن إلى قيام يوم الدين ، أبد الآبدين آمين يا رب العالمين .


قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم

{بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ(٧٧)} سورة آل عمران .


قال إمامنا الصادق عليه السلام : «ثلاثة لا عُذْرَ لأَحدٍ فيها : أداء الأمانة إلى البر والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين» (الخصال: ١١٨/١٢٣)


أيها المكرمون وأيتها المكرمات ، علماؤنا الأفاضل ، شبابنا الأعزاء ، ضيوفنا المحترمون ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


أتقدم بأزكى التهاني وأطيب التبريكات إلى مقام مولانا صاحب العصر والزمان وإلى الأمة الإسلامية بمناسبة ولادة كريمة أهل البيت عليهم السلام السيدة الجليلة فاطمة المعصومة سلام الله عليها بنت الامام موسی بن جعفر علیه السلام .


إن لزوم الوفاء بالعهد ، يعد ركناً من أركان الفطرة الإنسانية السليمة ، التي غير قابلة ، للتسامح والتساهل وإعطاء الرخصة فيه ، لأنها تدخل في مخ بناء الإنسان الكامل ، لذا نجد أن الإسلام لا يعذر أحداً بأي حال من الأحوال ، في نقض العهود والمواثيق كما أكده الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المذكور آنفاً ، الوفاء بالعهد إلى البر والفاجر .


ونقرأ في الآيات القرآنية والروايات والأحاديث في هذا الباب تعابير قوية وشديدة ، تبين أهمية الوفاء بالعهد ، وتذم الذين ينقضون العهد والميثاق .


فقد جاء في نهج البلاغة من قول أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر : «فإنه ليس من فرائض الله شيء للناس ، أشدّ عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم ، وتشتت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين ، لما استوبَلوا من عواقب الغدر !» .


وجملة - استوبلوا من عواقب الغدر ! معناها : لمّا نالهم من وبال من عواقب الغدر .


نرى ، يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام أنّ الوفاء بالعهد ، كان في الأقوام الجاهلية ، والمشركين قبل الإسلام ، يعد من الوظائف والواجبات الحتمية للأفراد .


إذ نجد سعيهم الكبير ، في حفظ عهودهم ، والتعامل مع الآخرين ، من موقع الوفاء بالعهد والميثاق .


قال تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة آية 1


هذه الآية من الآيات التي يستدل بها في كتب الفقه ، في البحوث الخاصة بالحقوق الإسلامية ، ويُخرج منها قاعدة فقهية هامة ، هي أصالة اللزوم في العقود ، أي أن كل عقد أو عهد يقام بين اثنين حول أشياء أو أعمال يكون لازم التنفيذ .


فنلاحظ أهمية الوفاء بالعهد ، من زوايا مختلفة في البحوث الإسلامية ، والإجتماعية والأخلاقية ، على مر التاريخ من أوله إلى آخره .


قصة خلق الإنسان تُشكِّل بعهد ، العهد الذي تم على قبول ربوبية الله تعالى ، ورفض عبادة الشيطان واتحد البشر جميعاً على طاعة الله تبارك وتعالى .


وتذكيرُ الأنبياء الإلهيين وخلفائُهم الناسَ ، بهذا العهد مرات عديدة عبر التاريخ ، حتى لا ينسوا العهدَ الذي قطعوه مع ربهم ، وقيل لهم إنّ طاعة الله من طاعة رسوله صلى الله عليه وآله  وسلم .

قال تعالى :

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء 59


فنستنتجُ أنّ طاعةَ رسولِ الله وأولي الأمر صلى الله عليهم تُعادِلُ طاعةَ الله تعالى .


بلى ، مع انتهاء عهد النبي صلى الله عليه وآله ، تجلى عهد الإنسان مع ربه بشكل آخر وأصبحت طاعة أولي الأمر ، أعني أمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم السلام من بعده طاعة إلى الله ورسوله صلى عليه وآله وسلم .


وبعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله أُمِرَ الناس بتجديد العهد مع وليه ومبايعته بالأيدي . 


ولكن نقض العهد بدأ منذ الأيام الأولى لوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .


وهذا الميثاق الذي قطَعَتهُ الأمة المسلمة ، في يوم الغدير ، على طاعة ولي الله أنكَرَتهُ بسهولة ، باستثناء مجموعة صغيرة من الأمة الإسلامية .


وفي النهاية تفرّق الكثير عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وتحقق نقض العهد .


ومن ذلك الوقت وعلى الرغم من أنه في فترة مئتين وخمسين سنة من الإمامة الشيعية ، شهدنا توجه الناس إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام ومرجعهم العلمي .


إلا أنّ الوعدَ الذي قطعه الناس لأئمتهم لم يتحقق قط . 


وهو نفسُ الحديثِ الذي تم التنبؤ به من قبل ، على لسان الإمام محمد الباقر عليه السلام : «إِذَا غَضِبَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ نَحّانَا عَنْ جِوَارِهِمْ» (الكافي ج1 ص343).


أي إذا غضِب الله تبارك وتعالى على خلقِه ، وسَلَبَ رحمته وفيضَه عنهم ، لسوءِ استعدادهم وقُبحَ صنيعهم ، وكمال عُتوّهم ، نحّانا عن جوارهم بالغيبة عنهم .


نعم غياب الإمام عليه السلام عن المجتمع ، وطول أمده ، هو نتيجة نقض عهد الناس بالحجج الإلهية ، وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .


ومادامَ الناسُ غير مستعدين لقبول أوامر الأئمة ونهيهم عليهم السلام ولا يفعلون ذلك وفاءً بالوعدِ الّذي قطعوه للأئمة المعصومين عليهم السلام لن يتحقق الظهور .


ولأهمية الوفاءِ بالعهد ، وأثرِه في ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف طلبوا منا ، تجديدَ بيعة الطّاعة التي نُدينُ بها لإمامِنا كلّ صباحٍ . 


اللهم نحن في هذا اليوم وطِوال حياتِنا نجدد عهدنا وبيعتنا للإمام المهدي -روحي وأرواحنا له الفداء- وأن لا نتراجع عنه أبداً ونُثْبِتُ عليه .


وأيضاً نجدد عهدنا وبيعتنا ، للدفاع عن المظلومين ، خاصة شيخنا الأجل الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه وأتباعه ما دمنا على قيد الحياة .


ونذكر آباءنا وأجدادنا الذين لم يخلفوا وعدهم ، وثابروا على هذا النهج منهم جدي آية الله المعظم الميرزا موسى الحائري الإحقاقي ، وآية الله المعظم عمي الأكبر الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، والإمام المصلح والعبد الصالح الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، وأبي وأستاذي ، آية الله المعظم المظلوم الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي قدس سرهم الشريف .


اللهم اشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وسلم ديننا ودنيانا بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته