فنقول إن الله سبحانه لما كان كاملا مطلقاً ، من جميع الوجوه ، وجب أن يكون فعله ومفعوله على أحسن ما يمكن أن يكون في الإمكان ، حتى لا يقال لو كان كذلك لكان أحسن ، وحيث إن الله سبحانه إنما خلق الخلق ، لإظهار قدرته ، وإعلاء كلمته ، كان كلما يكون فيه ظهور هذا المعنى أكثر ، كان هو الأولى بالاختيار ، وإجراء فعله سبحانه (۳) عليه ، ولا شك أن أمره سبحانه ومجعوله الأول ، لما كان أول ما يتعلق به الجعل ، وجب أن يكون في أعلى المراتب من الكمال ، ولا يكون الكامل كاملاً ، إلا أن يكون له نور وجمال ، ولنوره وجماله نور وجمال ، ولنور نوره وجمال جماله نور ، وجمال (٤) وهكذا إلى آخر المراتب والمقامات ، بل إلى ما لا نهاية له ، من الدرجات والدركات ، لعدم التعطيل في الفيض ، وعدم الانقطاع في المدد ، وعدم المانع في الإفاضة ، ووجوب الكمال في كل مرتبة ، الحاكية لكمال الصنع (۱) والمؤثر الظاهر بكمال القدرة ، ولا يكون الكمال في الشيء ، إلا بإظهار أثره ، إما من جهة تعينه في مقام تحديده ، كالقيام والقعود بالنسبة إليك ، أو في مقام كينونته وتحققه ، كالصور الظاهرة منك في المرآة ، ففي الصورة الأولى ، أنت الفاعل بالأمر (۲) بين الأمرين ، وفي الثانية الله الفاعل بك ، وحيث إن الله سبحانه يجري فعله بالأسباب فأنت في التفاتك وتوجهك إلى المرأة ، فكالصورة (۳) الأولى ، فإنه منسوب إليك ، وفي تحقق الصورة في المرآة ، وتكونها فكالثانية ، فأنت فيها ، يد لغيرك ، ليس لك من الأمر شيء ، في تكون نقش الصورة ، وإن كان كذلك (٤) الأمر في الالتفات (٥) والتوجه إلى نفس المرآة ، فافهم .
فقد أوقفتك على سر غامض ، ما أسعدك لو وفقت (٦) وإدراكه ، فأنه نقطة العلم ، وهي التي كثرها الجاهلون ، فإذا ثبت أن فعله تعالى ، يجب أن يكون أكمل ما يكون ، من حيث الفعل والإيجاد ، وإن كانت حكمة الإنوجاد ربما ينافيها ، وهي ليست بأصلية أولية ، وإنما هي ثانوية عرضية ، تكون منشأ لتعدد المشية .