ما حقيقة هذا النور المخلوق؟

ما حقيقة هذا النور المخلوق؟


تقدم الكلام أن هذا النور هو الوجود ، وهو أنفس الخلائق ، وهو جهتهم من ربهم ، أي كل مخلوق ما سوى الله تعالى مخلوق من مادة وهو الوجود ، وهو هذا النور ، وماهية وهو قبوله لهذا النور ، وهذا النور هو المعبر عنه في القرآن الكريم 

{اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٢) 


أي أن هذا النور ، مبثوث في جميع عالم الإمكان والتكوين ، ما سوى الله سبحانه من الغيب والشهادة ، لأن كل موجود مكون من مادة وصورة أو ماهية ، فالمادة هو الوجود ، والوجود هذا النور الشعشعاني في جميع العوالم ، ومن المعروف كل ما سوى الله تعالى مخلوق ، وهذا النور المعرِّف للتوحيد ، الذي هو النفس الناطقة ، أعني الوجود المخلوق ، وكل مخلوق في الإمكان والتكوين خلق من آثـار نـور مـحـمـد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لذا روى عن أبي جعفر (ع) أنه قال : 

«إن الله عزَّ وجلَّ خلق أربعة عشر نوراً من نور عظمته ، قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، 

فقيل له : يا بن رسول الله [عدهم بأسمائهم] فمن هؤلاء الأربعة عشر نوراً ؟ 

فقال : هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين [و] تاسعهم قائمهم . 


ثم عدهم بأسمائهم ، وقال : نحن والله الأوصياء الخلفاء ، من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونحن المثاني التي أعطاها الله -تعالى- نبينا محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونحن شجرة النبوة ، ومنبت الرحمة ، ومعدن الحكمة [ومصباح العلم] ، وموضع الرسالة [و] مختلف الملائكة ، وموضع سر الله ، ووديعة الله [جلّ اسمه] في عباده ، وحرم الله الأكبر ، وعهده المسئول عنه ، فمن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله ، ومن خفره فقد خفر ذمة الله وعهده ، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ، نحن الأسماء الحسنى الذين لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا ، ونحن -والله- الكلمات التي تلقاها [آدم من ربه فتاب عليه] ، إن الله [تعالى] خلقنا فأحسن خلقنا ، وصورنا فأحسن صورنا ، وجعلنا عينه على عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة عليهم بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتى منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزان علمه ، وتراجمة وحيه ، وأعلام دينه ، والعروة الوثقى ، والدليل الواضح لمن اهتدى ، وبنا أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار ، وجرت الأنهار ، ونزل الغيث من السماء ، ونبت عشب الأرض ، وبعبادتنا عبد الله -تعالى- ولولانا لما عرف الله -تعالى- ، وأيم الله لولا كلمة سبقت ، وعهد أخذ علينا لقلت قولاً يعجب [منه] أو يذهل منه (الأولون والآخرون)» (۱) 


قال مولانا بقية الله في أرضه ، الإمام الحجة بن الحسن أرواحنا له الفداء : «فجعلتهم معادن لكلماتك ، وأركاناً لتوحيدك وآياتك» (٢)



فهذه النفس التي من عرفها فقد عرف الله سبحانه ، هي مخلوقة من آثار نورهم (ع) كما في الرواية ، قال الشيخ أحمد الأحسائي قدس سره :

(إن معرفة الله لا يمكن حصولها إلا بتعريفه ، وتعريفه لمن يريد أن يعرّفه نفسه ، وتعرّفه وتعريفه هو وصفه لعبده ، الشيء إنما يعرف بوصفه ، وذلك الوصف الذي يعرف به هو حقيقة ذات العبد ، وليس له حقيقة غيرها ، وهذا التعرف والتعريف الذي هو ذات العبد أحدثه الله بفعله ، يعني أنه صفة الفعل الخاص به من الفعل المطلق وهيئته ، كما أن الكتابة هيئتها هيئة يد الكاتب ، فهيئة الكتابة تدل على هيئة حركة اليد من الكاتب ، فكانت هيئة ذات العبد ، التي هي تعريف الله هيئة مشيئة الله الخاصة به ، فالأثر يدل على المؤثر الذي هو الفعل ، والفعل يدل على الفاعل ، لأن الفعل هو ظهور الفاعل به ، فالذات التي هي أعلى المراتب بحقيقتها معرفة الله ، لأنها صفته ، ولهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :

«من عرف نفسه فقد عرف ربه» (۱)


جعل معرفة النفس عين معرفة الله ، لأنها الصفة فهي المِثل بكسر الميم الذي لا يشبهه شيء ، ولو كان يشبهه شيء ، والحال أن من عرفه عرف ربه ، لزم أن يكون الله يعرف بغير صفته ، وأن يكون لصفته شبيه ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والله لا يعرف بغيره ، وإلا لكان الغير مشابهاً له ، ولا يجوز كما مر أن يكون تلك الذات غير صفته ، وإلا لكانت موجودة قبل صفته ، لتقع صفته عليها وهذا باطل ، لأن تلك الذات إنما حدثت بالفعل ، فيجب أن تشابه صفته ، لأنها أثره فتكون هي الصفة ، ولو لم تشابه صفة الفعل لم تكن محدثة عنه ، فتكون مشابهة لما أحدثت به ، أو أنها ليست محدثة ، فمعنى كون تلك الذات محل معرفة الله ، وإنما قيل هي محل المعرفة ، بناءاً على سر اللغة من أن الشيء محل نفسه لا محل لغيره ، وإذا رأيت أن شيئاً محل لغيره فهو في الحقيقة محل نفسه فافهم .


فكونهم (ع) محال معرفة الله ، يراد منه أنهم معرفة الله ، ولا تعجب من هذا المعنى ، فإنه إذا فهمته رأيته من الأمور البديهية ، وكيف تكون أنت معرفة الله حيث قال : 

«من عرف نفسه فقد عرف ربه»(۲) 

ولا يكونون معرفة الله ، وقد قال أمير المؤمنين : 

«نحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا» (۳) انتهى) (٤) 


وعلى ذلك كل معرفة لتوحيد الله سبحانه فهي منهم ، وهم أسها وركنها ، أي محمد وآل محمد (ع) ، هم ركن لتلك النفس الناطقة ، أي لولاهم (ع) لما كانت ولا كان غيرها ، ولا عرفت التوحيد ولا عرف غيرها ، وهذا مصداق كلام الإمام الباقر (ع) في الرواية المتقدمة :  

«ولولانا لما عرف الله» (۱) 

يعني لولا نورهم (ع) ، الذي خلق منه النفس الناطقة المعرفة للتوحيد ، كما تقدم عن أمير المؤمنين علي (ع) : 

«من عرف نفسه فقد عرف ربه» (۲) لما عرف أحد معرفة الله تعالى .


فقول الإمام الحجة عجل الله فرجه : 

«وأركاناً لتوحيدك وآياتك» (۳) معناه أنه لولا نورهم الذي ملأ السماوات والأرض ، وتعليمهم التوحيد للخلائق ، تكويناً بحيث خلقت نفوسهم من أثر نور المعصومين (ع) ، وتشريعاً أنهم المعلمون الأولون للخلائق من الملائكة إلى نهاية التكليف ، لما عرف أحد التوحيد ، وهذا متواتر في روايات أهل العصمة (ع) ، أنهم هم الذين علموا الملائكة التسبيح والتوحيد ، ولولاهم لما عرف الملائكة التوحيد ، والملائكة مخلوقون قبل آدم على نبينا وآله وعليه السلام .


كما روي في إرشاد القلوب : بإسناده إلى محمد بن زياد قال : سأل ابن مهران عبد الله بن العباس عن تفسير قوله تعالى : {وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ، وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} 

قال : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب (ع) فلما رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تبسم في وجهه وقال : 

«مرحبا بمن خلقه الله قبل أبيه آدم بأربعين ألف عام . 

فقلت : يا رسول الله أكان الإبن قبل الأب ؟ 

فقال : نعم إن الله تعالى خلقني وخلق علياً قبل أن يخلق آدم بهذه المدة ، خلق نوراً قسمه نصفين : فخلقني من نصفه ، وخلق علياً من النصف الآخر قبل الأشياء ، فنورها من نوري ونور علي . 


ثم جعلنا عن يمين العرش ، ثم خلق الملائكة ، فسبحنا وسبحت الملائكة ، فهللنا فهللت الملائكة ، وكبرنا فكبرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي ، وكان ذلك في علم الله السابق ، أن الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل ، وكل شيء يسبح الله ويكبره ويهلله بتعليمي ، وتعليم علي ، وكان في علم الله السابق ، أن لا يدخل النار محب لي ولعلي ، وكذا كان في علمه أن لا يدخل الجنة مبغض لي ولعلي . 


ألا وإن الله تعالى خلق ملائكة بأيديهم أباريق اللجين ، مملوءة من ماء الجنة من الفردوس ، فما أحد من شيعة علي إلا وهو طاهر الوالدين ، تقي نقي آمن ، مؤمن بالله ، فإذا أراد بواحدهم ، أن يواقع أهله ، جاء ملك من الملائكة ، الذين بأيديهم أباريق الجنة ، فقطر من ذلك الماء في إنائه ، الذي يشرب به فيشرب هو ذلك الماء ، وينبت الإيمان في قلبه كما ينبت الزرع ، فهم على بينة من ربهم ، ومن نبيهم ومن وصيي : علي ، ومن ابنتي فاطمة الزهراء ثم الحسن ثم الحسين والأئمة من ولد الحسين . 


قلت : يا رسول الله ومن هم ؟ 

قال : أحد عشر مني ، أبوهم علي بن أبي طالب (ع) ، ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الذي جعل محبة علي والإيمان سببين» (١) .


فهذه الرواية واضحة كبقيتها من الروايات المتواترة معنى ، على أنه لا يعرف أحد التسبيح ، ولا توحيد الله تعالى إلا عنهم وبهم ، قال مولانا الإمام علي الهادي (ع) : 

«من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحده قبل عنكم ، ومن قصده توجه بكم» (۲) لأنهم بابه ووجهه الذي لا يعرف إلا منه والسلام .