معنى الدعاء (لا فرق بينك وبينها)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[س] مولاي ما معنى هذا الدعاء المروي عن الإمام الحجة بن الحسن أرواحنا فداه وعجل الله فرجه :
«وبمقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان ، يعرفك بها من عرفك ، لا فرق بينك وبينها ، إلا أنهم عبادك وخلقك ، فتقها ورتقها بيدك» (۱) .
[ج] معناها ببساطة قريب إلى الحديث القدسي المشهور بين العامة والخاصة ، في المحاسن عن عبد الرحمن بن حماد ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله (ع) قال :
«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال الله : ما تحبب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبب إليَّ بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته…» (٢) .
فالمؤمن العادي إذا قام بالنوافل ، واجتنب المكروهات ، يكون فعله فعل الله عز وجل ، كما هو نص الحديث الشريف ، يكون سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به فالمقامات التي يعرف بها الله عز وجل ، هم محمد وآل محمد (ع) ، ولما كانوا (ع) لا يخالفون أمر الله ونهيه حتى ترك الأولى ، فالأولى أن يكون فعلهم وإرادتهم ، لا فرق بينها وبين إرادة الله تعالى بحال من الأحوال ، لأنهم لا يخالفون خالقهم في حال من أحوالهم ، بمعنى أن الله سبحانه يريد ويحب كذا ، ويكره ويبغض كذا ، وهم (ع) يحبون عين محبته ويكرهون عين كرهه سبحانه ، حتى قال تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لما رمى المشركين بالتراب يوم بدر ، نسب الحق تعالى رمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رميه هو سبحانه ، لأنه لا فرق بين رميه سبحان ، ورمي نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث قال تعالى :
{وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّـهَ رَمى} (١) يعني رمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو عينه رمي الله تعالى ،
وقال سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (۲) لا فرق بين رمي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورميه سبحانه ، لأن النبي وأهل بيته (ع) : {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (۳) .
هذا في التشريع وفي التكوين نفس الأمر ، أي كما أعطى الله سبحانه لنبي الله عيسى الولاية التكوينية ، من خلق الخفاش ، وإخبار المغيبات ، مما يأكلون ويدخرون بإذنه تعالى ، بحيث يكون فعل نبي الله عيسى نفس فعله بل عين فعله ، فمحمد وآل محمد (ع) أفضل من نبي الله عيسى (ع) ، بل مما أجمع عليه الخاص والعام ، أن وقت خروج الحجة عجل الله فرجه ، يخرج نبي الله عيسى (ع) ويصلى خلف المهدي أرواحنا فداه .
ومما تواتر في روايات المعصومين (ع) أن ما خلق الله سبحانه ما خلق ، إلا بواسطة محمد وآل محمد (ع) ، لأنهم السبب الأعظم لهذا الوجود ، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال :
«إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم (ع) ، حين لا سماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ولا ظلمة ، ولا نور ولا شمس ، ولا قمر ، ولا جنة ، ولا نار ،
فقال العباس : وكيف كان بدؤ خلقكم يا رسول الله؟
فقال : يا عم لما أراد أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً ، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ، ثم مزج النور بالروح ، فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين (ع)
فكنا نسبحه حين لا تسبيح ، ونقدسه حين لا تقديس ، فلما أراد الله تعالى أن ينشىء الصنعة ، فتق نوري فخلق منه العرش ، فالعرش من نوري ، ونوري من نور الله ، ونوري أفضل من العرش ، ثم فتق نور أخي علي ، فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور أخي علي ، ونور علي من نور الله ، وعلي أفضل من الملائكة ، ثم فتق نور ابنتي فاطمة ، فخلق منه السماوات والأرض ، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ، ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى ، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ، ثم فتق نور ولدي الحسن ، وخلق منه الشمس والقمر ، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ، ونور ولدي الحسن من نور الله ، والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثم فتق نور ولدي الحسين ، فخلق منه الجنة والحور العين ، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين ، ونور ولدي الحسين من نور الله ، فولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين» (١) .
فهذا معنى ولايتهم التكوينية بالله سبحانه ، فخلق السماء والأرض والعرش والكرسي ، وما كان وما يكون بهم خلق ، فهذا معنى لا فرق بينك وبينها ، لأن الله هو الخالق ولكن بهم ، قال جدي المعظم الإمام المصلح الميرزا حسن قدس الله روحه :
«المعصومون الأربعة عشر (ع) ، بالنسبة لله تعالى مثل القلم في يد الكاتب ، فالكاتب هو الله سبحانه والقلم هو محمد وآل محمد (ع)»
فالمظهر لأمر كن في الخلق هم (ع) بالله سبحانه ، ولما كانوا لا يخالفون أمره بحال من الأحوال ، أصبح لا فرق بين فعله كن وبينهم (ع) ، كنبي الله عيسى (ع) في خلقه الخفاش ، وإخبار بني إسرائيل ما يأكلون وما يدخرون ، كما أن الله تعالى يخلق الخفاش ، ويخبرهم بما يأكلون وما يدخرون ، كذلك يخلق نبي الله عیسى (ع) الخفاش ، إلا أن نبي الله عيسى (ع) عبد من عبيده ، ضعيف ذليل لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، والله تعالى هو الخالق المطلق فالمعصومون عندهم هذه الولاية ، إلا أنهم عباد من عبيده ، خاضعون ذليلون بين يدي خالقهم وهو الله تعالى .
ومعنى فتقها ورتقها بيدك ، أي أن كل شأن من الشؤون ، من حال إلى حال ، لا يكون إلا بالله تعالى ، فيفتق الليل بالنهار ، والنهار بالليل وهكذا …