بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[س] ما معنى كون المعصومين أركاناً لآياته تعالى ؟
[ج] هذا المعنى واضح متواتر معنى ، في روايات أهل البيت (ع) ، أنه لولاهم لما خُلِقت السماوات والأرضون والعرش والكرسي والجنة والنار ، ولما خُلِق الثقلان والملائكة والحيوان والنبات والجماد ، وكل شيء مما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، إلا من أنوارهم (ع) ، حيث إن أنوارهم هي ركن لكل ما سوى الله عز وجل ، وذلك مثل المصباح فهو ركن لنوره المنتشر ، فلولاه لما كان هناك نور أصلاً ، فالمصباح هو ركن لوجود الأشعة ، وليس للأشعة حال غير هذا الحال ، بحيث لو ينطفيء المصباح لا يكون للأشعة وجود .
وهذا منطوق روايات المعصومين (ع) المتواترة ، بحيث لا يمكن أن يشك فيها أحد ، منها ما روي عن السيد الرضي في كتاب المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة : قال : قال القاضي الأمين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الجلابي المغازلي ، قال : حدثنا أبي (رحمه الله) ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ، عن علي بن محمد بن مخلد ، عن جعفر بن حفص ، عن سواد بن محمد ، عن عبد الله بن نجيح ، عن محمد بن مسلم البطائحي ، عن محمد بن يحيى الأنصاري ، عن عمه حارثة ، عن زيد بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ،
قال : دخلت يوما على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقلت : يا رسول الله أرني الحق حتى أتبعه .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا بن مسعود لج إلى المخدع .
فولجت ، فرأيت أمير المؤمنين (ع) راكعاً وساجداً وهو يقول عقيب صلاته : اللهم بحرمة محمد عبدك ورسولك ، اغفر للخاطئين من شيعتي .
قال ابن مسعود : فخرجت لأخبر رسول الله بذلك ، فوجدته راكعاً وساجداً وهو يقول : اللهم بحرمة عبدك علي اغفر للعاصين من أمتي .
قال ابن مسعود : فأخذني الهلع حتى غشي علي .
فرفع النبي رأسه ، وقال : يا بن مسعود أكفرا بعد إيمان ؟
فقلت : معاذ الله ، ولكني رأيت علياً يسأل الله تعالى بك ، وأنت تسأل الله تعالى به .
فقال : يا بن مسعود إن الله تعالى خلقني وعلياً ، (والحسن) والحسين من نور عظمته ، قبل الخلق بألفي عام ، حين لا تسبيح ولا تقديس ، وفتق نوري ، فخلق منه السماوات والأرض ، وأنا أفضل من السماوات والأرض .
وفتق نور علي ، فخلق منه العرش والكرسي ، وعلي أفضل من العرش والكرسي .
وفتق نور الحسن ، فخلق منه اللوح والقلم ، والحسن أجل من اللوح والقلم .
وفتق نور الحسين - فخلق منه الجنان والحور العين ، والحسين أفضل منها ، فأظلمت المشارق والمغارب ، فشكت الملائكة إلى الله عز وجل الظلمة ، وقالت : اللهم بحق هؤلاء الأشباح الذين خلقت ، إلا ما فرجت عنا من هذه الظلمة .
فخلق الله روحاً وقرنها بأخرى ، فخلق منهما نوراً ، ثم أضاف النور إلى الروح ، فخلق منهما الزهراء ، فمن ذلك سميت الزهراء ، فأضاء منها المشرق والمغرب يا بن مسعود إذا كان يوم القيامة ، يقول الله عز وجل لي ولعلي : أدخلا الجنة من شئتما ، وأدخلا النار من شئتما ، وذلك قوله تعالى : {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} ، فالكفار من جحد نبوتي ، والعنيد من عاند علياً وأهل بيته وشيعته» (١) .
انظر إلى هذا الحديث وأمثاله ، فإن أبجديات الوجود من السماوات والأرضين ، والعرش والكرسي ، والجنة والحور وغيرها ، ما خلق إلا من أنوارهم (ع) ، كما خلقت الأشعة من المصباح ، فكما أن المصباح ركن لوجود الأشعة ، كذلك نور محمد وآل محمد (ع) ركن لآيات الله عز وجل ، التكوينية والتدوينية في الآفاق والأنفس ، فجميع ما سوى الله سبحانه ، هو آياته وآثاره عز وجل .
وهذا مصداق الآية المباركة
{سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (۲)
لذا روي عن أئمة الهدى (ع) أنهم هم الآيات وهم البينات ، كما في الرواية عن عبد الله الأصم ، عن عبد الله بن بكير الأرجاني ، قال: صحبت أبا عبدالله (ع) في طريق مكة من المدينة ، فنزلنا منزلا يقال له : عسفان ، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش ، فقلت له : يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ؟ ما رأيت في الطريق مثل هذا ،
فقال لي : «يا بن بكير أتدري أي جبل هذا ،
قلت : لا ،
قال : هذا جبل يقال له الكمد ، وهو على واد من أودية جهنم ، وفيه قتلة أبي الحسين (ع) ، استودعهم فيه ، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم ، وما يخرج من جب الجوى ، وما يخرج من الفلق ، وما يخرج من آثام ، وما يخرج من طينة الخبال ، وما يخرج من جهنم ، وما يخرج من لظى ومن الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الحميم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير ، وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلا رأيتهما يستغيثان إلي ، وإني لأنظر إلى قتلة أبي وأقول لهما : هؤلاء فعلوا ما أسستما ، لم ترحمونا إذ وليتم ، وقتلتمونا وحرمتمونا ، ووثبتم على حقنا ، واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم الله من يرحمكما ، ذوقا وبال ما قدمتما ، وما الله بظلام للعبيد ، وأشدهما تضرعا واستكانة الثاني ، فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما في قلبي ، وربما طويت الجبل الذي هما فيه ، وهو جبل الكمد .
قال : قلت له : جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع ،
قال : أسمع أصواتهما يناديان : عرج علينا نكلمك فانا نتوب ، وأسمع من الجبل صارخا يصرخ بي : أجبهما ، وقل لهما : اخسؤوا فيها ولا تكلمون .
قال : قلت له : جعلت فداك ومن معهم ،
قال : كل فرعون عتى على الله ، وحكى الله عنه فعاله ، وكل من علّم العباد الكفر .
فقلت : من هم ،
قال : نحو بولس الذي علم اليهود أن يد الله مغلولة ، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله ، وقال لهم : هم ثلاثة ، ونحو فرعون موسى الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، ونحو نمرود الذي قال : قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء ، وقاتل أمير المؤمنين (ع) ، وقاتل فاطمة ومحسن ، وقاتل الحسن والحسين (ع) ، … ومعهم كل من نصب لنا العداوة ، وأعان علينا بلسانه ويده وماله .
قلت له : جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع ،
قال : يا بن بكير إن قلوبنا غير قلوب الناس ، إنا مطيعون مصفون مصطفون ، نرى ما لا يرى الناس ، ونسمع ما لا يسمعون ، وإن الملائكة تنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا ، وتشهد طعامنا ، وتحضر موتانا ، وتأتينا بأخبار ما يحدث قبل أن يكون ، وتصلي معنا وتدعو لنا ، وتلقي علينا أجنحتها ، وتتقلب على أجنحتها صبياننا ، وتمنع الدواب أن تصل إلينا ، وتأتينا مما في الأرضين من كل نبات في زمانه ، وتسقينا من ماء كل أرض نجد ذلك في آنيتنا .
وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا تنبهنا لها ، وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل أرض عندنا وما يحدث فيها ، وأخبار الجن ، وأخبار أهل الهوى من الملائكة ، وما من ملك يموت في الأرض ، ويقوم غيره إلا أتانا خبره ، وكيف سيرته في الذين قبله ، وما من أرض من ستة أرضين إلى السابعة إلا ونحن نؤتى بخبرهم .
فقلت : جعلت فداك فأين منتهى هذا الجبل ،
قال : إلى الأرض السادسة ، وفيها جهنم ، على واد من أوديته ، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء ، وقطر المطر ، وعدد ما في البحار ، وعدد الثرى ، قد وكل كل ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه .
قلت : جعلت فداك إليكم جميعاً يلقون الأخبار ،
قال : لا ، إنما يلقى ذلك إلى صاحب الأمر ، وإنا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه ، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا ، وأمرت الذين يحفظون ناحيته أن يقسروه على قولنا ، وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر ، أوثقته وعذبته حتى يصير إلى ما حكمنا به .
قلت : جعلت فداك فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب ؟
فقال : يا بن بكير فكيف يكون حجة الله على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم ، وكيف يكون حجة على قوم غيب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه ، وكيف يكون مؤدياً عن الله وشاهداً على الخلق وهو لا يراهم ، وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم ، وقد حيل بينهم وبينه ، أن يقوم بأمر ربه فيهم ،
والله يقول : {وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} يعني به من على الأرض والحجة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة ، والأخذ بحقوق الناس ، والقيام بأمر الله ، والمنصف لبعضهم من بعض ، فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله ، وهو يقول : {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} ، فأي آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق ،
وقال : {وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها} ، فأي آية أكبر منا .
والله إن بني هاشم وقريشاً لتعرف ما أعطانا الله ، ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس ، وإنهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا على أنفسهم ، فيسألونا فنوضح لهم
فيقولون : نشهد أنكم أهل العلم ،
ثم يخرجون فيقولون : ما رأينا أضل ممن اتبع هؤلاء ويقبل مقالتهم .
قلت : جعلت فداك اخبرني عن الحسين (ع) لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئاً ،
قال : يا بن بكير ما أعظم مسائلك ، الحسين مع أبيه وأمه وأخيه الحسن في منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يحبون كما يحبى ، ويرزقون كما يرزق ، فلو نبش في أيامه لوجد ، وأما اليوم فهو حي عند ربه ، ينظر إلى معسكره ، وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله ، وانه لعلى يمين العرش متعلق ،
يقول : يا رب انجز لي ما وعدتني .
وإنه لينظر إلى زواره ، وهو أعرف بهم وبأسماء آبائهم ، وبدرجاتهم وبمنزلتهم عند الله ، من أحدكم بولده وما في رحله ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له رحمة له ويسأل أباه الاستغفار له ،
ويقول : لو تعلم أيها الباكي ما أعد لك لفرحت أكثر مما جزعت ، فيستغفر له كل من سمع بكاءه ، من الملائكة في السماء وفي الحائر ، وينقلب وما عليه من ذنب» (۱) .
نقلنا الخبر بطوله لما فيه من فوائد جمة ، ومقامات للمعصومين (ع) ، ومحل الشاهد قول الإمام جعفر الصادق (ع) لعبد الله بن بكير الثقة :
«وهو يقول : {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} ، فأي آية في الآفاق غيرنا ، أراها الله أهل الآفاق ،
وقال : {وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها} ، فأي آية أكبر منا» (٢) .
وأيضا روى الشيخ أبو جعفر الطوسي : بإسناده إلى الفضل بن شاذان ، عن داود بن كثير ، قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : «أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل ، وأنتم الزكاة ، وأنتم الحج ،
فقال : يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ، ونحن الزكاة ونحن الصيام ، ونحن الحج ، ونحن الشهر الحرام ، ونحن البلد الحرام ، ونحن كعبة الله ، ونحن قبلة الله ، ونحن وجه الله قال الله تعالى : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ونحن الآيات ونحن البينات» (۳)
كم وكم من الآيات القرآنية ، والأحاديث القدسية بهذا المضمون ، من كونهم الآيات في الآفاق والأنفس ، ونكتفي بهذا القدر والسلام .