خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
إذا صفت النفس
رشحت عليها المعارف الإلهية
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى يوم الدين أمين رب العالمين .
والحمد لله العالم العليم الرؤوف الرحيم ذي القوة المتين وذي العطاء الجسيم ، أحمده حمد من عرفه واتقاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسماه وأشهد أن سيدنا محمداً الذي أرسله بالدين القويم وخوله بالنبوة واصطفاه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
مما لا مراء فيه أن الإنسان لم يؤت به إلى هذه الدنيا بهذه الصورة التي يولد بها إلا ليتكامل .
ذلك لأنه ناقص حين يولد .
والله تعالى لا يصدر منه إلا الكمال .
فوجب على الإنسان أن يتكامل لا محالة ، فإن أبى فمصيره النار ليطهر فيها .
ان مقدار تكامل النفس الإنسانية بمقدار ما تذوب فيها المادية وتقتلع عنها الصفات الرذيلة والأخلاقية الذميمة ، فمعالجة النفس غير معالجة البدن ولها طرق خاصة ومن أهمها الصوم فله أثر فعال في تكامل النفس .
إن القلب ليصدأ إن لم يبك الفرد على ذنوبه أو حبا لله تعالي . وإن صدأ القلب أمر معنوي وازالته لا تكون إلا بشكل معنوي ، والبقاء إمارة هذا الإنقلاب المعنوي .
ثم أن الدمعة على ما ثبت في الطب الحديث تدفع مئات الأمراض عن البدن .
ومما لا ريب فيه أن الله لو أراد أن يهدي عبداً (حين يتوجه إليه العبد مكفراً عن ذنوبه) وأحب أن يغفر له جعله يبكي على ذنوبه جوف الليل وأوقات العبادة . وهذا من علائم التقرب إليه تعالى .
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً علياً عليه الصلاة والسلام : «يا علي كل عين بالية يوم القيامة إلا ثلاث أعين : عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين فاضت من خشية الله ، ومن جرب القسم الأخير شعر بما يعلوه من سرور وحبور نزيهين طاهرين لا يضاهيهما أي سرور» .
فهذه الدموع في شهر رمضان المبارك عند تلاوة القرآن وقراءة أدعية النهار وأدعية الليل وفي صلاة الليل تذيب المادية المتأصلة في النفوس وتزيل الأدران والأرجاس وذمائم الأخلاق فيرى الإنسان نفسه ، بعد ذلك ، في عالم من القدسية جديد .
تصفو النفس بهذه الدموع ، فإذا صفت رشحت عليها المعارف الإلهية من عالم القدس ، فتزداد معرفة بالله تعالي وهي غاية الغايات .
إن تكامل الإنسان يتناسب طردياً مع درجة معرفته بالله تعالى . فكلما كانت معرفته بالله تعالى أكثر كان سائراً في مدارج الكمال أكثر فأكثر . وإن شهر رمضان المبارك يهيء الوسائل التي تصفو بها النفس لتنال نصيبها من الكمال من المعارف الإلهية .
نعم ، إن المعارف الإلهية لا تحصل إلا إذا أذيبت المادية في الإنسان كما جاء في الحديث .
فإذا ذابت المادية بالصلاة والصيام والحج والزكاة والخمس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنفاق والإيثار ومجاهدة النفس والأعمال الصالحة إزداد الإنسان معرفة بالله وأفيضت عليه المعارف الإلهية ،
فإن الصادق سلام الله عليه يقول : «ليس العلم بكثرة التعلم ، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه . فإذا أردت العلم ، فاطلب أولاً في نفسك العبودية ، واطلب العلم باستعماله . واستفهم الله يفهمك» .