التقليد

أبو المكارم الشيخ حسين المطوع حفظه الله


التقليد


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين .


قال الله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (سورة النحل:٤٣)


  • وفي الكافي ٤١٢/٧ 

"انْظُرُوا إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنا ونَظَرَ فِي حَلالِنَا وحَرَامِنا وعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَارْضَوْا بِهِ حَكَما فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِما فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّهِ قَدِ اسْتَخَفَّ وَعَلَيْنَا رَدَّ والرَّادُ عَلَيْنا كالرَّادُ عَلَى اللَّهِ وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّهِ" .


  • وفي وسائل الشيعة ۱۳۱/۲۷ 

"فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً لِهَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامْ أَنْ يُقَلِّدُوهُ" .


  • وفي وسائل الشيعة ١٤٠/٢٧ أيضا 

"وأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةٍ حَدِيثِنا فَإِنَّهُمْ حُجَتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ" .


هذه بعض الآيات القرآنية وبعض الأخبار هذه الواردة عن الأئمة الأطهار عليهم سلام الله ما أظلم ليل وأضاء نهار والتي استفاد منها علماؤنا الأعلام أعلى الله كلمتهم وجوب التقليد ، ولكن ما هي حقيقة التقليد ، هل هو مجرد متابعة العلماء الأعلام والمراجع العظام في المسائل الفقهية والاستعانة بهم في حل المشاكل الاجتماعية ، أم هو شيء أكبر من هذا ؟


للرد على هذا السؤال لا بد لنا من فهم مقدمة بسيطة ونافعة جدا لبيان هذا الأمر الجليل العظيم ليكون الناظر إلى هذه المقالة على بصيرة من أمره ، لأن التقليد هو من أخطر المسائل المتعلقة في دين الإنسان ، يعني في آخرته ، وهي من الأمور التي بسببها يدخل الإنسان في الدين أو يخرج منه ، جعلنا الله وإياكم من الداخلين فيه ولا جعلنا الله من الخارجين منه .


أما المقدمة ، فقد سمعتم كثيرا حتى صار هذا الأمر في الوضوح بحيث لا يحتاج إلى بيان أن الله تبارك وتعالى لما أراد من الخلق أن يعرفوه خلق ساداتنا العظام وموالينا الكرام محمد وأهل بيته عليهم آلاف التحية والثناء والسلام وجعلهم المظهرين لأسمائه وصفاته ، حتى أنه في مقام التعريف والتعرف لم يجعل فرقا بينهم وبينه إلا أنهم عباده وخلقه كما قال مولانا الحجة أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه الشريف بقوله "فجعلتهم معادن لكلماتك وعلاماتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك" وهذا النص واضح في أنهم صلوات الله عليهم محلا لصفاته وأسمائه مضافا إلى النصوص الكثيرة المفيدة في هذا المعنى التي لو أردنا البسط في ذكرها لاحتاج الأمر إلى مجلدات وقد ذكر ذلك في أمهات كتب الإمامية مثل الكافي والبحار والوافي ... وغيرها .


وبالجملة هم صلوات الله عليهم صنايع الله كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه لمعاوية عليه اللعنة ، وهذا الصنع يجب أن يكون في غاية الكمال وفي أعلى درجات الجمال ، ويجب أن يكون هذا الصنع مظهرا لقدرة هذا الصانع لأن الأثر دال على مؤثره وعلى أوصافه ، وهذا ثابت ، وإنما كررت العبارة حرصا مني على فهم هذا المطلب الدقيق ، والذي أنا الحقير أقوم بتفصيله في باب آخـر مـن أبـواب هذه المجلة المباركة .


وعلى أية حال إذا ثبت ما ذكرنا ، وثبت أيضا أن أوامرهم وأفعالهم وأقوالهم صلوات الله عليهم أجمعين هي أوامر وأفعال وأقوال الله تبارك وتعالى لكونهم {عِبادٌ مُكْرَمُونَ ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} ولوجوب الطاعة المطلقة لهم حتى قال الله تعالى {فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 


وقال تعالى {وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 


وقال تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .


وإذا ثبت أيضا أنهم عليهم السلام مصادر فيض الجليل على خلقه {وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ} فلا يخرج شيء من خزائن الجليل إلا بأمرهم عليهم السلام ، وثبت أيضا أنهم حكماء علماء لا يفعلون فعلا ولا يقولون حرفا إلا وحي يوحى .


إذا ثبت ذلك كله لهم عليهم السلام ، نقول أنه وفي زمان غيبة المولى صاحب الأمر أرواحنا فداه فإنهم عليهم السلام لم يتركوا شيعتهم بدون راع يرعاهم ودال يدلهم على طريق الحق والصواب فقد قال مولانا الحجة أرواحنا فداه "إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء" ومن باب مراعتهم عليهم السلام نصبوا لشيعتهم أعلاما يهدونهم ويرشدونهم إلى طريق الحق والصواب ، وقد ذكرنا سالفا أن الأثر دال على مؤثره وحامل لأوصاف مؤثره ، فكما أنهم عليهم السلام حاملون لأوصاف الله وأسمائه ولا ندعي أنهم هم الله تعالى كما يتهمنا البعض بل نقول أن مثالهم عليهم السلام مثال الحديدة المحماة بالنار وكذلك شيعتهم بالنسبة إليهم ، ولأوضح لك هذا المثال .


لو أنك وضعت حديدة سوداء باردة في النار لمدة يوم مثلا ثم جئت إلى الحديدة ألا تراها أنها حاملة لأوصاف النار أعني ألا تراها أنها تحرق مثلا وأن لونها قد انقلب بلون النار ، بل ترى ذلك واضحا جليا ، فهل انقلبت الحديدة إلى نار بالطبع لا ، ولكن هل للحديدة تأثير النار من الإحراق وغيره ، بالطبع الجواب نعم ، فلا الحديدة انقلبت إلى نار ولا النار صارت حديدة ولكن صارت الحديدة حاملة لأوصاف النار فافهم هذا المثال فإنه دقيق ، وفهمه يسهل عليك ما ذكرناه لك .


فلما كان الأمر كما ذكرنا عرفنا أن العلماء الأعلام والمراجع العظام أعلى الله كلمتهم بالنسبة لأئمتهم عليهم السلام كالحديدة المحماة أعني أنهم .


  • أولا : حاملون لأوصاف أئمتهم عليهم السلام وهذا جلي وواضح فيمن نظر إلى مراجعنا وعلمائنا أعلى الله كلمتهم فإن أوصافهم وأخلاقهم أوصاف وأخلاق أئمتهم عليهم السلام وإلا لما كانوا دالون عليهم .


  • ثانيا : أنهم رحم الله من مضى منهم وأيد الله من بقي منهم مسددون مؤيدون من قبل المولى صاحب الأمر أرواحنا فداه وإلا لما جعلهم حجة من قبله صلوات الله وسلامه عليه كما قال "فإنهم حجتي عليكم" وأنت عالم معنى الحجة بلا شك ولا ريب .


  • ثالثا : أن أقوالهم أقوال أئمتهم وأفعالهم أفعال أئمتهم عليهم السلام .


  • رابعا : أن الراد عليهم كافر خارج عن ربقة الإسلام فويل ثم ويل لمن تجرأ عليهم فإنه والله قد رد على رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام "ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم".   


من هذا نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أن التقليد ليس فقط العمل بالأحكام الشرعية ولكنه ما هو أعم من ذلك ، فالتقليد عبارة عن الطاعة المطلقة في جميع أمور الدين والدنيا للمراجع العظام أعلى الله كلمتهم ، وعدم الرد عليهم في أي أمر من الأمور ، والتخلق بأخلاقهم والتفاني في خدمتهم فإنهم حملة الدين والمدافعون عن شريعة سيد المرسلين والناشرون لفضائل أئمتنا المعصومين عليهم السلام ، ولو أردت أن أبسط ما عملوا خدمة للدين لاحتجت إلى مقالات ومقالات ولكن الشمس لا تحتاج إلى دليل فمن كان له بصر يبصر لما صنعوه خدمة للدين ، فرحم الله من مضى منهم وأطال الله في بقاء من بقي منهم لا سيما مرجعنا المؤيد المسدد نائب مولانا الحجة بالحق خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم الحاج ميرزا عبد الرسول الإحقاقي الحائري أطال الله في بقاه وجعلني من كل مكره فداه بحق محمد وعلي مولاه .


والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعن الله أعداءهم أجمعين .