أبو المكارم الشيخ حسين المطوع حفظه الله
دروس في العقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين آمين يا رب العالمين .
من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: "أُولُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوحِيدُهُ" ،
ومن كلام لمولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال : "أُولُ الدِّيَانَةِ بِهِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ تَوْحيدُهُ" .
قبل الشروع في بحث هو من أهم البحوث في العقيدة الإسلامية لا بد من تبيين مقدمة لا تخلو هذه المقدمة من فائدة ، وهي أن الله تبارك وتعالى إنما خلق الخلق وأوجدهم ليبلغ بهم إلى الكمال وليوصلهم إلى السعادة الأبدية ولا يصلون إلى الكمال والسعادة إلاّ باتباع أوامر الله عز وجل والانتهاء عن نواهيه ، ولا يكون ذلك إلا بمعرفته ، فما المراد من معرفته؟
لقد أثبت علماء الحكمة أن معرفة ذات الحق عز وجل لا تعرف بوجه من الوجوه مطلقا وذكروا لذلك أسباب منها أنه لا بد أن يكون بين المُدرِك والمُدرَك مناسبة ، والمقصود من وجود المناسبة وجود شيء ما مشترك بين المُدرِك والمُدرَك ولولا هذا الشرط لتمكن كل شيء من إدراك كل شيء ، وأيضا من شروط الإدراك الإحاطة وحتى يحيط الشيء بشيء فلا بد وأن يكون مساوٍ له في الرتبة أو أعلى منه رتبة ، ولم يقل بذلك مسلم .
إذا عرفنا ذلك عرفنا أيضا أنه جل شأنه لا يعرف بمثل لأنه جل شأنه ليس كمثله شيء ، وحتى يتمكن المدرِك أن يأتي بمثال لله تبارك وتعالى فلا بد له من أحد أمرين :-
- الأول : أن يكون قد أدرك حقيقة الذات وقد ذكرنا بطلانه فيما مضى .
- الثاني : أن يمثل لله بأحد مخلوقاته وموجوداته ، وهذا الأمر ليس بصحيح إذ لا مناسبة بين القديم والحادث حتى يمثل له ، كما أنك لا تقول أن الليل مشابه للنهار والنور مشابهة للظلمة .... إلخ .
ولما ثبت مما تقدم أنه لا يتمكن أحد من الخلق إدراك حقيقة ذاته فالطريق إليها مسدود والطلب مردود حتى أن أشرف أنبيائه وأعظم مخلوقاته وأعلم موجوداته أقر بعجزه عن ذلك فقال "إلهي ما عرفناك حق معرفتك" ، والله تعالى قد أوجب على خلقه معرفته فقال في الحديث القدسي "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف" ، ثبت أن هذه المعرفة ليس المعني بها معرفة ذاته جل شأنه بل هي معرفة آثاره وآياته التي بمعرفتها تكون معرفته ، وهي التي أمر الله الخلق بالتوجه إليها وهي على ما مر في مقالة سابقة إما آيات تدوينيه أو آيات تكوينية والآيات التكوينية إما أفاقية أو أنفسيه ، وقلنا أن الآيات التدوينيه عبارة عن القرآن الكريم والآيات الآفاقية عبارة عن موجوداته ومخلوقاته من العرش إلى الفرش ومن الدرة إلى الذرة ، والآيات الأنفسية هي نفس هذا الإنسان الذي يقول فيه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بقوله :
أتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي
بأحرفه يظهر المضمر
وقد شرح هذين البيتين علم الأعلام وملاذ الأنام الأسد الضرغام محيي الشهادة الثالثة العلوية وناشر العلوم الأوحدية مولانا المقدس الراحل المولى ميرزا علي الإحقاقي الحائري أعلى الله مقامه بأعلى بيان في كتابه المسمى ( الكلمات المحكمات) .
وأعظم الآيات التي جمع فيها الله تعالى جميع ما أراد من الخلق معرفته وجعل الكمال والسعادة الأبدية التي ذكرناها مرهونة بمعرفتها هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة محمد وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، بل لم يجعل الله تعالى لخلقه من سبيل لمعرفته غيرهم فقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : "نَحْنُ الأَعْرَافُ الَّذِي لا يُعْرَفُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا"
وقال الباقر عليه السلام : "بِنا عُبِدَ اللهُ وبِنا عُرِفَ اللَّهُ وبِنَا وُحِّدَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" ،
وقال الصادق عليه السلام : "بنا عرف الله وبنا عبد الله نحن الأدلاء على الله ولولانا ما عبد الله"
وقال أيضا "الأوصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا وَلَوْلاهُمْ مَا عُرِفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" وغيرها الكثير من الروايات الدالة على أن لا سبيل إلى معرفة الله غيرهم ، وحتى أن الآيات التدوينيه والتكوينية من الآفاقية والأنفسيه كلها دالة عليهم أرواحنا فداهم كما سنشير إليه في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى .
فهم المعرفون للخلق حقيقة التوحيد بل ولم يظهر التوحيد والوحدانية والأوحدية إلا بهم عليهم السلام ، فما حقيقة هذا التوحيد وما مراتبه وما مقاماته وما مراتب الموحدين فهذا ما سنجيب عليه في المقالة القادمة بحول من الله وقوة ، وصلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .