الشيخ عبدالجليل الأمير حفظه الله
تطلعات حول شيخ المتألهين الأوحد أعلى الله مقامه
قال الإمام الصادق (ع) : "ليس العلم بالتعلم ، وإنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه" .
- نسبه :-
هو الفذ الأوحدي ، والعالم الألمعي ، والصرح اللوذعي ، ذو الشرف الشامخ والمقام الباذخ والقدم الراسخ في علوم آل الرسول عليه السلام . وليد التقوى والأخلاق وحليف المسجد والمحراب . الشيخ الأجل والعلم الأشم فضيلة الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم بن داغر بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر . (راجع كتاب دليل المتحيرين) للسيد كاظم الرشتي أعلى الله مقامه .
- تولده ونشأته :-
تولد في الأحساء (شرق الجزيرة العربية) قرية تدعى ب (المطيرفي) سنة ١١٦٦ هـ نشأ وترعرع في ربوع واحة الأحساء على يدي ولديه ، متسما بسمات الصالحين ومقتديا بورثة النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين عليهم أفضل صلاة المصلين .
فالحديث عن الشيخ أحمد الأحسائي في الحقيقة هو حديث عن الشريحة النموذجية المطبقة للكتاب والسنة في تصرفاتها وسلوكها العلمي والعملي ، والممتثلة دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول : "إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" .
فحياة الشيخ أحمد الأحسائي تنقسم إلى دورين مهمين :-
- دور الرياضات المشروعة والمجاهدات النفسانية المنصوصة من الشارع المقدس ، من التخلق بأخلاق آل الله تعالى والنظر والتفكر في الآفاق والأنفس .
- الدور الثاني دور التبليغ والعطاء والتغيير من أفكار خاطئة ، وعقائد فاسدة عند بعض الفلاسفة والحكماء .
الدور الأول
الشيخ أحمد الإحسائي -أعلى الله مقامه- حينما بلغ التمييز والإدراك تولع بالنظر والتفكر في الآفاق والأنفس مطبقا قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (سورة فصلت:٥٣) .
وسالكا درب ربه ذللا كما قال تعالى : {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً} (سورة النحل:٦٩) .
فعلى حداثة سنه ونعومة أظفاره انهمك بالفكر والذكر والعبادة والتلاوة لكتاب الله التكويني بالنظر والتفكر وللكتاب التدويني بالعبر والتدبر ، حتى اعتزل الخلق وتوجه إلى معطي خيرات الدنيا والآخرة .
فما لبث فترة إلا وبان الضعف في بدنه لكثرة العبادة وقلة أكل الطعام والشراب كل ذلك مؤملا أن يصل إلى معرفة النفس التي من عرفها فقد عرف الرب كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
فلم يزل على هذه الحالة من الفكر والذكر في التفكر للكتاب التكويني والتدبر للكتاب التدويني ، حتى صار محط محبة الحق تعالى كما ورد في الحديث القدسي المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لا يزال عبدي يتنفل إلي حتى أحبه ، ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ، إذا دعاني أجبته وإن سألني أعطيته" …
فإذا أحب الحق تعالى عبدا هداه إلى سبيله ، وأختار أفضل الطرق إلى معرفته ، وقذف في قلبه العلم والنور الذي يعلم به أكثر المعلومات كما قال الإمام الصادق (ع) : "ليس العلم بالتعلم ، وإنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه" .
وقال تعالى : {وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (سورة البقرة:٢٨٢) وقال أيضا : {وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (سورة يوسف:٢٢) .
فمعنى (وكذلك) أي ومثل ذلك لمن سلك سبل الرب ذللا. فالذي يسلك سبل الرب ذللا يخرج الله تعالى من بطنه شرابا من العلم مختلفا ألوانه من أنواع العلوم بشتى أصناف الجهادات العقائدية ، والشرعية والأخلاقية .
فالذي يروض نفسه بالرياضية المشروعة من الشارع المقدس . يلهمه -الله تعالى- ويعلمه العلم من دون تعلم من البشر . هذا مصداق حديث المعراج حيث قال الحق تعالى مخاطباً نبيه محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم):
"يا أحمد إن العبد إذا جاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة ، وإن كان كافراً تكون حكمته حجة عليه ووبالا ، وإن كان مؤمنا تكون حكمته له نورا وبرهانا وشفاء ورحمة ، فيعلم ما لم يكن يعلم ، ويبصر ما لم يكن يبصر ، فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره ، وأبصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان" .
فالشيخ أحمد الإحسائي هو من الذين نهجوا هذا المنهج واتبعوا هذا الدرب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، لذا قال الشيخ عينه عن نفسه حينما طلب منه أبنه الأجل الشيخ محمد تقي أن يكتب سيرة حياته ، منذ الصغر ، وعن علة مبلغه هذا المبلغ العظيم من العلم والمعرفة أجابه والده وقال : اعلم أني كنت في أول عمري كثير التدبر والنظر في العالم ، وكان قلبي مشغولاً (متخلقا) بأشياء لا أعرف حقيقتها ، فرأيت ذات ليلة في الطيف الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر عليهم السلام .
وكان بيننا أحوال مخاطبات عجيبة طويلة ، فقلت له : يا سيدي أخبرني بشيء إذا قرأته رأيتكم فقال لي عليه السلام شعراً :-
كن عن امورك معرضا
و كل الامور الي القضا
فلربما اتسع المضيق
و ربما ضاق الفضا
و لرب امر متعب
لك في عواقبه رضا
الله يفعل ما يشاء
و لاتكن متعرضا
الله عودك الجميل
فقس على ما قد مضى
- ثم قال :-
رب امر ضاقت النفس به
جائها من قبل الله فرج
لاتكن من وجه روح آيسا
ربما قد فرجت تلك الرتج
بينما المرء كئيب دنف
جائه الله بروح و فرج
فانتبهت فبقيت أقرأ ولا أرى شيئا ، حتى أني تنبهت بأنه لا يريد مجرد قراءته ، وإنما يريد أن أتخلق بمعنى ذلك .
فتوجهت إلى إصلاح النية والعمل والانقطاع بالقلب إلى الله وإلى ما يرضيه لا غير ، لم يكن لي مقصود غير رضى الله ، فلما استمر بي الحال على هذه الطريق ، انفتح لي باب المنام بأنواع العجائب فلا تمر بي مسألة في اليقظة إلا ورأيت بيانها في المنام ، وكل حين ذكرت الأئمة عليهم السلام في الطيف رأيتهم ، فإن ذكرت واحداً معيناً رأيته ، وإن ذكرتهم مطلقاً كان لي الخيار فيمن أريد أن أراه ، وهكذا حتى وقفت على باب مأخذ أدعية أهل البيت عليهم السلام من القرآن ، وسمعت الخطاب من بعض الجمادات ، ولقد ورد عن الباقر عليهم السلام أنه قال : "ما من عبد حبنا (أحبنا) وزاد في حينا وأخلص في في معرفتنا وسئل مسألة إلا ونفثنا في روحه جوابا لتلك المسألة" .
ولقد فتح لي أشياء ما أعرف أصفها للناس . وكل ذلك من التخلق بمعنى تلك الأبيات المتقدمة . فأنت وفقك الله . إذا أردت شيئا فاقبل على الله على النحو الذي أمر به الشارع عليه السلام وتفهم قول الله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} وقوله تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب أحمد بن زين الدين .