علي (ع) لسان صدق

الشيخ عبدالجليل الأمير حفظه الله


علي (ع) لسان صدق


قال علي ابن أبي طالب (ع) : «كلُّ يومٍ لا يُعْصى اللهُ فيه فهُو يوْمُ عيدُ» .


قبل البدء في ذيل الآية المباركة : {وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (سورة مريم:٥٠) نقدم مقدمة نحوية حتى يتضح المعنى جلياً واضحاً .


الجملة النحوية تنقسم إلى قسمين : 


  • الجملة الفعلية :-

وهي الجملة التي تتكون أما من فعل وفاعل ومفعول ويسمى الفعل المتعدى إلى المفعول فعل متعدى .


فقد تتعدى إلى مفعول واحد وذلك مثل كتب على الكتاب ، أو إلى مفعولين مثل أعطى على بكراً سيارة ، أو ثلاث مفاعيل مثل اعلم على محمداً عبد الله فاضلاً وأكثر ما تتعدى إلى ثلاث مفاعيل .


أو تتكون الجملة الفعلية إلى فعل وفاعل فقط ويسمى الفعل لازماً مثل ذهب علي إلى الحوزة ، وقام زيد من المكتب . وهكذا


  • الجملة الإسمية :-

وهي ما تبتدأ بإسم ، والخبر قد يكون اسماً أو غير اسم ، ذلك مثال علي عالم ، ومحمد فاضل أو علي يكتب الكتاب ، أو علي في الحوزة . وهكذا 


  • أفعال النواسخ :-

هناك بعض الأفعال تسمى بأفعال النواسخ ، وسميت بالنواسخ ، لأنها تدخل على المبتدأ والخبر وتنسخ حكمهما الأول ، وتجهل لهما حكماً إعرابياً ثانياً . 


وهذه الأفعال مثل كان وأخواتها ، وظن وأخواتها ، وجعل . 


مثل دخول كان على المبتدأ والخبر (محمد عالم) إذا دخلت كان جعلت المبتدأ اسماً لها والخبر خبراً لها . نقول (كان محمد عالماً) . 


وكذلك ظن تدخل على المبتدأ والخبر ، ولكن هذه تجعل المبتدأ مفعولاً أولاً والخبر مفعولاً ثانياً ، تقول ( ظن زيد محمداً عالماً) .


وكذلك جعل إذا دخلت على المبتدأ والخبر ، جعلت المبتدأ مفعولاً أولاً والخبر مفعولاً ثانياً تقول (جعل حسن محمداً عالماً) .


وهكذا وهنا ملاحظة ينبغي التنبيه عنها ، وهي أنه قد يقدم الخبر أو المفعول الثاني على المبتدأ أو الخبر الأول . لعلل كثيرة منها الاختصاص والاهتمام أو الحصر أو غيرها .


فقوله تبارك وتعالى : {وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} . فجعل دخلت على المبتدأ والخبر والمبتدأ هــو (عـلـي) ، والخبر (لسان صدقٍ) ، وقدم الخبر للاختصاص والاهتمام . وإعراب الآية المباركة كالآتي : {وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}


(و) : الواو حسب ما قبلها .

(جعلنا) : فعل ماضي مبني على السكون أو الفتح المقدر لتوالى ثلاث متحركات . 


و (نا) : ضمير الفاعل المعظم نفسه وهو الله تعالى متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والأصل وجعل الله بدل (النا) ، لان (النا) تدل أما على الجماعة أو التعظيم وهنا لتعظيم الله تعالى . 


(لهم) : اللام حرف جر تفيد الاختصاص وهم ضمير مبني على السكون ، في محل جر بحرف الجر والميم للجمع .


(لسان صدق) : لسان مفعول ثاني مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على أخره وهو مضاف وصدق مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره .


(عليا) : مفعول أول مؤخر ، منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره .


واصل الآية المباركة (جعل الله تبارك وتعالى للخلق قبل إيجادهم وخلقهم عليا أمير المؤمنين عليه السلام لسان صدق وحق . ومن يهدي للحق أحق أن يتبع قال تعالى : {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (سورة يونس:٣٥) .


فعلي أمير المؤمنين عليه السلام هو لسان صدق في الآخرين والأولين ، لأن عليا مع الحق ، والحق مع علي يدور معه حيثما دار .


وأتى بضمير الغائبين في (لهم) ليدل على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو لسان صدق قبل إيجاد الخلق ، كما نطقت الروايات وتظافرت به الأخبار أن محمداً وآل محمد عليهم السلام مخلوقون قبل الخلق بآلاف السنين النورانية .


  • التفسير النهائي :-

{وَ وَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا} (سورة مريم:٥٠) والرحمة التي وهبها الحق تعالى للخلق ، هو رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرون عليهم السلام ، لذا قال تعالى : {وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ}(سورة الأنبياء:١٠٧) كما أن الحق تعالى رب العالمين كذلك أهل البيت رحمة للعالمين وأئمة للعالمين ، والعالمين جمع عالم . 


ومظهر رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله ، هو وصيه أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو الرحمة للمؤمنين ، والنقمة والعدل للكافرين ، كما قال تعالى : {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} (سورة الحديد:١٣) .


فباب السور ، هو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (وسائل الشيعة ج ۲۷ ص ٣٤ ب ٥ تحريم الحكم بغير الكتاب) . 


فمن أراد الدخول في حرم المدينة المقدسة الآمنة الطاهرة ، فليدخل من الباب ، وبابها أمير المؤمنين عليه السلام قال الله تعالى :  {وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها} (سورة البقرة:١٨٩) .


فالداخل في السور أو المدينة أو البيوت من الباب وهو أمير المؤمنين عليه السلام ، أو أبوابها وهم المعصومون عليهم السلام ، فقد دخل في حصن الله تعالى كما في حديث السلسلة عن الإمام الرضا عليه السلام عن الحق تعالى : «ولاية على بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» (بحار الأنوار ج ٣٩ ص ٢٤٦ ب ٨٧ - حبه وبغضه صلوات الله عليه) .


فأمير المؤمنين عليه السلام ، هو الرحمة للمؤمنين والنقمة للكافرين ، كما في الزيارة له عليه السلام ، «نعمة الله على الأبرار ونقمته على الفجار» (بحار الأنوار ج ٩٧ ص ٥. نجاة الهالكين ۱۲) . 


فلما كان أمير المؤمنين عليه السلام هو النعمة وهو النقمة على جميع ما سوى الحق تعالى ، ظهرت فضائله ومناقبه في العالمين . 


حتى أنه لا يمكن حصرها وعدها كما في الحديث عن الصادقين عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إن الله تبارك وتعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب عليه السلام فضائل لا يحصي عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولو وافي القيامة بذنوب الثقلين» (الأمالي للصدوق ص ۱۳۸ المجلس الثامن والعشرون) . 


«ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم ، ومن أستمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل إيمان عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه» (الدمعة الساكبة  ج٢، ص٥٢) . 


وفي الحديث القدسي عن الحق تبارك وتعالى في شأن أمير المؤمنين عليه السلام :  «وجعلته العلم الهادي من الضلالة ، وبابي الذي أوتى منه ، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري ، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة ، ووجهي الذي من توجه إليه لم أصرف وجهي عنه ، وحجتي في السماوات والأرضين على جميع من فيهن من خلقي . 


لا أقبل عمل عامل منهم إلا بالإقرار بولايته مع نبوة أحمد (صلى الله عليه وآله) رسولي .


وهو يدي المبسوطة على عبادي ، وهو النعمة التي أنعمت بها على من أحببته ، فمن أحببته من عبادي وتوليته ، عرَّفته ولايته ومعرفته ، ومن أبغضته من عبادي أبغضته لأنظر فيه عن معرفته وولايته .


فبعزتي حلفت ، وبجلالي أقسمت أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا أخرجته من النار وأدخلته الجنة ، ولا يبغضه عبد من عبادي ويعدل عن ولايته إلا أبغضته وأدخلته النار وبئس المصير» (الدمعة الساكبة ج ٢ ، ص ٥٢) .


وفي الحديث القدسي ، عن جبرائيل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : «الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : محمد من رحمتي وعلي مقيم حجتي ، لا أعذب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وان أطاعني» ( الدمعة الساكبة ج ۲، ص ٥٥) .


حتى أنه روي في فضائل ومناقبه ما لو أجتمع الخلق على أن يحصوا فضائله ما استطاعوا كما في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «لو كانت البحار مداد والرياض أقلام ، والسماوات صحفا والإنس والجن كتابا ، لنفذ المداد وكلت الثقلان أن يكتبو معشار عشر فضائل علي إمام يوم الغدير وكيف يكتبون وأنى يهتدون» (الدمعة الساكبة ج ٢، ص٥٦) .


وأتذكر هنا حول هذه الحديث الشريف كلام للإمام المصلح والعبد الصالح آية الله الميرزا حسن الإحقاقي رضوان الله عليه ، لم يسبقه عليه سابق في تفسير أنه لو أن السموات قراطيس والثقلان كتاب والبحار مداد لنفد المداد ، حيث يقول رضوان الله عليه : (إن كل قطرة من البحار وكل ذرة في الكون ما هي إلا فضيلة من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وإذا كانت القطرة من المداد فضيلة والقلم فضيلة والسماء والأرض فضيلة كيف تكتبُ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام) . لذا قال صلى الله عليه وآله : «كلت أن يكتبوا معشار عشر فضائل علي عليه السلام» .


فلما كان أمير المؤمنين وسيد الموحدين سلام الله عليه حاويا لكل صفات الكمال . كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي:- 


يا  برق  إن جئتَ الغـريَّ فقل لـه

أتراك  تعلم من  بأرضـك  مـودعُ

***

فيك  ابنُ عمران  الكليـمِ  وبعــدهُ

عيـسى  يُقـــفِّيـهِ   وأحـمد  يتبــــعُ

***

بل  فيكَ  جبـريلٌ  وميكالٌ وإسـرا

فيـلُ  والمـلأُ   المـُـــقـدَّس  أجـمع

***

بل  فيكَ  نـورُ  الله جــــلَّ جـلالُـه

لذوي  البصائر  يُستشـفُّ  ويلمـعُ

***

يامن ردت لـــــه ذكاءَ ولم يــــــفز

بنــظيــــرها من قبل ألا يوشــــــع

***

يا هازمَ الأحــــزابِ لا يثنـــيهِ عن

خوضِ الحِمــــامِ مـــدججٌ ومدرع

***

يا قالـــــعَ البابِ الذي عـَـــن هَزِهِ

عَجـــزَت أكفٌ أربعــــــونَ وأربع

***

لولا حُدُوثكَ قلـــــــــتُ أنّكَ جاعلُ

الأرواحِ في الأشبــــاحِ والمُستنزِع

***

لولا ممـــــاتكَ قلتُ أنّــكَ باســط

الأرزاقِ تُقدرُ في العطاءِ وتُوسِع

***

ما العالـــــمُ العـــلويُ إلا تـــربة

فيـــها لجثتكَ الشَريفةِ موضع

***

ما الدهرُ إلا عــبدك القــن الذي

بنــــفوذِ أمرِك في البريةِ مولع

***

أنا في مديحكَ ألكنٌ لا أهتـــدي 

وأنا الخطيبُ الهزبريُ المصقع

***

أأقول فـــــيكَ سميدعٌ كـــلا ولا

حاشا لمِثلكَ أن يُقال ســـــميدع

***

بل أنـــــتَ في يومِ القيامةِ حاكم 

في العالمـــــــين وشافعٌ ومشفع

***

والله لـــــــولا حـــــيـدر ما كانــت الدنيا

وما جــــمعَ البـــــــريةِ مجمع

***

والله لو علقت ثمود وتبع

بفنائه لنجت ثمود وتبع

***

من أجـــله خُلــــق الزمان وضوئت

شــهبٌ كـُــنَسن وجـــــن ليــل أدرع

***

علـــــم الغيـــــوب إليه غيــر مدافع

والصبـــــــح أبيض مسفر لا يدفـــع

***

وإليهِ في يــــومِ المعـــــــــادِ حسابنا

وهــــو المـــلاذُ لنـــا غداً والمفــزعُ

***


فلما كان سلام الله عليه بهذه المنزلة حسدوه وحاربوه كما قال تعالى : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (سورة النساء:٥٤) .


وسبب حسده كما قال سيدي مولاي المرجع الديني خادم الشريعة الغراء آية الله الميرزا عبد الرسول الإحقاقي روحي فداه «حسدوه لما كان أول مولود وآخر مولود في الكعبة ، وحسدوه لما كان أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وآله ، وحسدوه لما كان الفتح على يديه في جميع حروب رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحسدوه لما تزوج بنت نبي هذه الأمة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وحسدوه لما كان والد الإمامين الهمامين الحسن والحسين ، وحسدوه لما كان هو الوصي الحقيقي والولي بعد نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وآله . وحسدوه لأجل مناقبه وفضائله التي عجز الوجود عن عد عشر العشر» .


قال عبد الباقي العمري رضوان الله عليه في مدح أمير المؤمنين عليه السلام:-

أنت العلي الذي فوق العلا رفعا

ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا

***

وأنت حيدرة الغاب الذي أسد البرج

السماوي عنه خسئا رجعا

***

وأنت باب تعالى شأن حارسه

بغير راحه روح القدس ما قرعا

***

وأنت ذاك البطين الممتلئ حكما

معشارها فلك الأفلاك ما وسعا

***

وأنت ذاك الهزبر الأنزع البطل

الذي بمخلبه للشرك قد نزعا

***

وأنت نقطة باء مع توحدها

بها جمع الذي في الذكر قد جمعا

***

وأنت والحق يا أقضي الأنام به

غدا على الحوض حقا تحسّران معا

***

وأنت غوت وغيث في ردى وندى

لخائف ولراج لاذ وأنتجعا

***

وأنت ركن يجير المستجير به

وأنت حصن لمن من دهره فزعا

***

وأنت أنت الذي حطت له قدم

في موضع يده الرحمن قد وضعا

***

وأنت أنت الذي لله ما فعلا

وأنت أنت الذي لله ما صنعا

***

وأنت أنت الذي لله ما وصلا

وانت أنت الذي لله ما قطعا

***

حکمت سيفاً لو هویت به

يوما على كتف الأفلاك لانخلعا

***

سمتك أمك بنت الليث حيدرة

أكرم بلبوة ليث أنجبت سبعا

***

لذا في الحديث القدسي : «لو اجتمع الناس كلهم على ولاية علي عليه السلام ما خلقت النار» ( الدمعة الساكبة ج ۲ ص ٥٥ ) .


وأي الكلام وكيف الكلام في أمير المؤمنين عليه السلام...... 


وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .