خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد
الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره
كلمة المؤلف
بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله الذي فضل العلماء العاملين على سائر خلقه فضل الشمس على سائر الكواكب ورجح مدادهم على دماء الشهداء وجعل خيارهم كأنبياء بني إسرائيل ، حيث قال الرسول الأعظم والنبي الأكرم سيدنا أبو القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
«مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء»(١)
و «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»(٢)
وأن نبي الله آدم (ع) ما استحق لأن يكون مسجوداً للملائكة إلا بالعلم الذي أودع الله تبارك وتعالى في صدره ، حيث قال عز من قائل:
{وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}
وما بعث الله سبحانه نبياً إلا لتعليم العلم والحكمة للعباد : كما قال عز اسمه في كتابه الكريم :
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وقال عز من قائل : {وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ} .
إلى غير ذلك من الآيات المباركة التي تجلل وتعظم مقام العلم والعلماء .
وأعلى المدائح في القرآن والسنة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام للعلم والعلماء ، حتى ورد عنهم عليهم السلام:
«النظر إلى وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة"(٢)
و «النظر إلى باب دار العالم عبادة» ،
«و الناس موتى وأهل العلم أحياء» .
إلى غير ذلك من آلاف المدائح والثناء للعلم والعلماء المذكورة في محلها فشرف الإنسان بالعلم وشرف المجتمع بالعلماء ، ولولا العلم مع العمل والتقوى لما كان لطائفة الإنسان شرف وفخر وعلو بالنسبة إلى سائر الخلائق .
ومن المعلوم أن مصدر العلوم عبارة عن مهابط وحي الله ومعادن حكمة الله ومخازن علم الله أعني ساداتي وسادات الخلائق أجمعين محمد وأهل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
قال إمامنا أبي جعفر محمد أبن علي أبن الحسين عليهم السلام :
"والله إنا لخزان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه"(٣) .
وقال عليه الصلاة والسلام :
"نحن خزان علم الله ونحن تراجمة وحي الله ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض"(١) .
وعن مولانا أبي الحسن الرضا سلام الله عليه :
"فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتضى ، ونحن ورثة الرسول الذي أطلعه الله على مايشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة"(٢) .
ولا يمكن الوصول إلى علومهم والفوز من آثارهم والتمتع من أسرارهم إلا بالوسائط التي هم عينوها ونصبوها بينهم وبين العباد ، أعني العلماء العاملين الموالين المجاهدين والملتزمين بالتقوى والعدالة .
من زمانهم عليهم السلام إلى زماننا هذا وإلى يوم قيام بقية الله في الأرض مولانا الحجة ابن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وأرواحنا فداهم أجمعين كأمثال الكليني والمفيد والصدوق والطوسي وابن طاووس والمحقق والشهيدين والعلامتين وبحر العلوم وشيخنا الأنصاري وغيرهم أعلى الله مقامهم .
ومن أعاظمهم وأكابر العلماء الإمامية من حيث العلم والعمل والتقوى والآثار والكرامات وكثرة التابعين والمقلدين شيخنا الأوحد وملاذنا الأمجد ومقتدانا المؤيد أستاذ الحكماء المتألهين ومعلم الفقهاء والمجتهدين مولانا الشيخ أحمد ابن زين الدين الأحسائي المطيرفي .
نفعنا الله تبارك وتعالى بأنوار علومه في الدنيا ورزقنا مصاحبته وشفاعته في الآخرة ، الذي أخذ العلوم من أشعة إشراقات معارف أئمتنا المعصومين عليهم السلام وترعرع في جنان حدائق أسرارهم وشرب من زلال عيون آثارهم ، حتى فاز بالنصيب الأعلى وأصبح مفتاحاً لعلومهم وحاملاً لأسرارهم وناشراً لفضائلهم وينبوعاً لماء حياتهم ومدافعاً عن حقهم ومظلوماً لأجلهم وقائداً ومعلماً لمخلصي شيعتهم .
وهو قدس الله روحه الشريف كان في زمانه إلى زماننا هذا معياراً في تحمل أسرار أئمتنا المعصومين عليهم السلام بحيث افترق الناس بعد وفاته فريقين ، بين مصدق ومكذب .
وأما العلماء العاملون المنصفون المطلعون على الحقائق والناظرون بعين التحقيق والبصيرة في آثاره والعارفون لمصطلحات أئمتنا المعصومين عليهم السلام فقد صدَّقوه ومدحوه وأثنوا عليه في أعلى درجات المدح والثناء وهو في الحقيقة حقيق لجميع المدائح الجميلة والثنايا الحميدة في كل فروعه علماً وعملاً وخُلقاً وخَلقاً وعبادة وزهداً وتمسكاً ووصولاً وإشراقاً وشهوداً .
وأما بعض الجاهلين والحاسدين والمشحونين وأخيراً الخائفين على رئاستهم الدنيوية الفانية ومعيشتهم الضنكة فقد افتروا عليه بالأكاذيب وظلموه واعتدوا عليه وأعرضوا عن الدفاع عن حريمه .
{وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (١) وإنا لله وأنا إليه راجعون .
وأنا الحقير تراب أقدام محبي أهل البيت عليهم السلام وخادم الشريعة الغراء من باب أداء التكليف الشرعي ورفع الحجاب وكشف الغطاء عن حقيقة الأمر ألفت هذا الكتاب وسميته بإسم :
(التحقيق في مدرسة الأوحد)
للدفاع عن المظلوم وتأليف القلوب وتوحيد الأفكار والآراء في حق هذا العالم العليم والمحقق الخبير والمجاهد الكبير .
حتى يرتفع الخلاف بين شيعة أهل البيت عليهم السلام ويكونوا يداً واحداً في الدفاع أمام المتجاسرين على الإسلام والمسلمين وفي نشر فضائل ومعارف أئمتنا المنتجبين سلام الله عليهم أجمعين .
قال الله تبارك وتعالى: {وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً} . صدق الله العلي العظيم .
ولنشرع الكتاب بتقديم كلمات بعض المادحين له عليه رضوان الله ونذيله بتوضيح ورد أكاذيب بعض المفترين عليه .
وأيضا نقدم بعض مصطلحاته العلمية المأخوذة عن أئمتنا عليهم السلام التي لم يطلع عليها أهل الظاهر .
وأطلب من الله العلي العزيز ومن أوليائه المعصومين سلام الله عليهم أجمعين التوفيق والسداد والابتعاد عن الزلّة والخطأ في هذا المجال ، فهو حسبي ونعم الوكيل عليه توكلت فنعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين .