المشيئة من الصفات الفعلية




المخزن الثاني

 الجوهر الثالث

 (المشيئة من الصفات الفعلية)


إن الفعل عبارة عن الحركة الإيجادية ، التي يحدثها الموجد بنفسها ، بمعنى أنها حركة لا تحتاج في إيجادها إلا إلى حركة توجد بها ، فهي حركة فخلقت بنفسها ، فارتفع الدور والتسلسل .


ثم الموجد يحدث بتلك الحركة ساير المفاعيل ، فيتحقق لتلك الحركة التي هي الفعل مراتب عديدة عند تعلقه بالمفاعيل ، لأن المفاعيل بأسرها مذكورة في الفعل عند تعلقه بها ، فالمذكور إنما هو مذكور في وجهه الخاص به ، وهذا معنى ما ورد من أن في العرش تمثال جميع ما خلق الله ، فإن العرش هو الفعل في أحد الاطلاقات ، فإذا تعلق بالمفاعيل حصلت له مراتب يسمى بها فيسمى مشيئة عند تعلقه بمادة المفاعيل ، وإرادة عند تعلقه بأعيانها وقدرا عند التعلق بالهندسة والحدود ، وقضاءاً عند التعلق بالهيئة التركيبية .


فأول المراتب المشيئة ، وثانيها الإرادة ، وثالثها القدر ، ورابعها القضاء ، فلا تلتفت إلى من زعم أن القضاء سابق على القدر ، لأن تراجمة وحي الله والسنة إرادته عليهم السلام صرحوا بما ذكرنا ، فقالوا : (إن الله علم وشاء وأراد وقدر وقضى ، فبعلمه كانت المشية ، وبمشيته كانت الإرادة ، وبإرادته كان القدر ، وبقدره كان القضاء) " الحديث.


وبالجملة فللفعل تتحقق هذه المراتب ، وربما يعبر في التمثال عن تلك المراتب بالنقطة ، والألف ، والحروف ، والكلمة التامة.


فالنقطة هي المشية ، والألف الإرادة ، والقدر الحروف ، والقضاء الكلمة التامة ، ودلالة تلك الكلمة هي المفاعيل ، لأن المفاعيل دلالات الفعل ، فهي تدل عليه.


ويعبر أيضا بالرحمة ، والرياح ، والسحاب المزجي ، والسحاب المتراكم .


ويعبر عن المفاعيل بالقطر النازل من السحاب إلى غير ذلك من التعبيرات .


فهذه المراتب تتحقق له عند تعلقه لا في ذاته ، وليست المفاعيل مذكورة في ذاته ، كما أن الدلالة مثلاً ليست مذكورة في النقطة ، ولا في الحروف ، بل إنما هي مذكورة في الكلمة التامة ، فتلك الحركة الكلية لها وجوه عديدة بحسب كل مفعول من المفعولات ، وذلك المفعول مذكور في ذلك الوجه الخاص المتعلق به ، كالألف مثلاً فإنها مذكورة في الحركة المستقيمة ، والباء في الحركة المعوجة ، وليس الاعوجاج والاستقامة من ذاتيات تلك الحركة الكلية ، لأنهما صفتان " عرضتا لها " ، والصفة غير الموصوف.


ولذلك لا توصف الحركة بالاستقامة والاعوجاج ، إلا فيما ظهرت في متعلقاتها فتفطن.


ثم اعلم أن المراتب التي أثبتناها للفعل ، فإنما هي تتحقق بحسب كل مفعول من المفاعيل .


المصدر