المخزن الثاني
الجوهر الأول
(أن الفاعل من الصفات الفعلية له تعالى)
اعلم أن الفاعل من الصفات الفعلية ، لأن مبدأ اشتقاق الفاعلية هو الفعل ، والمشتق يتبع المبدأ ، فإذا كان ذاتا فيكون المشتق ذاتيا ، وإن كان فعلا ففعليا ، والفعل ليس هو الذات كما ستعرف سريعا إن شاء الله .
فالفاعل لو كان هو الذات بذاتها للزم إثباتها تارة ونفيها أخرى ، كقولك زيد قائم فتثبت له القيام إذا كان قائما وتنفي قائميته إذ لم يكن قائما ، فلو كان القائم هو ذات زيد للزم أن يدور مدار النفي والإثبات ، وليس أيضاً بدلا عنه .
ولو كان القائم هو ذات زيد للزم أن يكون مرفوعا على الأصالة لا على التبعية ، وهذا ظاهر إن شاء الله فالمشتق قائم بمبدئه قيام ركن وتحقق ، وذلك لأن المبدأ لا بد وأن يكون مذكورا في المشتق بحيث يكون مقوما له كالقائم مثلاً ، فإنه يجب فيه اعتبار القيام وإلا لم تتحقق القائمية .
ويجب أن يكون مقوما لأن وجوده مرتبط بوجوده ، فالمشتق لا يتحقق إلا بعد تحقق المبدأ ، فالقائم هو ظهور زيد بالقيام ، وشتان بينهما إلا أن القائم هو زيد بظهوره في القيام ، فكذلك الواجب سبحانه هو الفاعل لكن بفعلة لا بذاته ، ففاعليته من صفاته الفعلية ، لجواز نفي الفاعلية عنه في قولك لم يفعل ولم يشأ ولم يرد .
وقد صرح بذلك مشايخنا الإمامية رضوان الله عليهم في كتبهم ودفاترهم في تفريق صفات الذات وصفات الفعل ، وقالوا بأن الفاعلية من صفات الفعل .
وبالجملة فالفارق بين صفات الذات وصفات الفعل هو أن كل صفة يجوز أن يتصف الواجب بصفة نقيضها فهي من صفات الفعل ، وكل صفة لا يجوز اتصافه بنقيضها فهي من صفات الذات كقولك علم وقدر وليس لك أن تقول لم يعلم ولم يقدر بخلاف قولك فعل فأنه لك أن تقول لم يفعل الشرور مثلاً.
وربما يتوهم بعض القاصرين بأن الفاعلية لو كانت من صفات الفعل للزم التعطيل في الذات .
وهذا توهم كاسد وخيال فاسد لأن الفاعل ليس إلا الله سبحانه ، وليس فاعل سواه ، لكن هذه الصفة ليست ذاتية له بل أوجدها بفعله ، فالجمع بلا تفرقة زندقة ، والتفرقة بلا جمع تعطيل والجمع بينهما توحيد .
المصدر