المعاد الجسماني

العلامة الكبير فقيه أهل البيت الحكيم الكبريائي 

مولانا الحاج ميرزا موسىٰ الإحقاقي الإسكوئي قدس سره


المعاد الجسماني


إن المعترضين على الشيخ الأوحد (أعلى الله مقامه) بعضهم التبس عليه الأمر كما هو الغالب والأكثر أما لعدم أنسه بالاصطلاح في المقام ، أو لعدم إحاطته بأطراف الكلام - وبعض عثر على كلام مجمل وغفل عن سائر ما أفاد وفصل ، وبعضهم أنصافاً لم يكن خالياً عن أعمال الغرض في مقام الإبرام والنقض وبعض رتب عليه عقيدة الغير بعلاقة التلمذة والمجاورة - غفلة عن أنه لا تزر وازرة وزر اخرى ، فالغرض من هذا الباب في فجرنا الصادق هو تعريف القارئ العزيز إلى عقيدة الشيخ الأوحد واصطلاحاته الحكمية لرفع الاشتباه والالتباس ببيان واف وتبيان شاف للوقوف على الواقع الصحيح بدليل عربي فصيح.


و في هذه المرحلة نعرض الأقوال في المعاد الجسماني.


١- المعاد هو الصورة الدنيوية لا المادة. 


٢- المعاد هو الموجود الدنيوي بمادته وصورته لا يتغير ولا يتبدل. 


٣ - المعاد هو الروح مع المادة وان تبدلت الصورة.


فالأول مذهب الملا صدر الدين الشيرازي (أعلى الله مقامه) وتابعيه وهو خلاف الواقع عقلاً ونقلاً لأن الصورة غرض وهيئة للمادة والصورة تتغير وتتبدل فأي صورة تعاد هل صورة المرض أو الصحة أو الشباب أو الطفولة إلى آخره فيلزم الترجيح بلا مرجح فأظهر من هنا بطلان القول لأن متعلق الثواب والعقاب هو المادة لا الصورة.


أما القول الثاني وهو عود المادة والصورة دون تغير فهو قول باطل لما دلت عليه الأدلة العقلية والنقلية حتى أن كثير مما يعاد يوم الحشر تتغير صورته كصورة كلب أصحاب الكهف ومن تلبس بصورته كما أن كثير من الناس يحشرون على صورة القردة والخنازير والمتكبرين يحشرون بقدر إلى آخر ما هنالك من الأمثلة.

(الموجود في الدنيا بعينه هو جسم الآخرة لكنه يكبر في القبر ويصفى)


أما القول الثالث وهو قول الشيخ الأوحد ومن حذا حذوه من تلامذته العظام وخلاصة قوله وشرحاً لما تقدم من عباراته على شرح واجسادكم في لأجساد أقول إن الشيخ الأوحد يقول إن المعاد يوم القيامة هو هذا الجسد المحسوس المرئي الدنيوي ولكن بعد أن يصفي من الكدورات والكثافات. (إن الجسد الذي هو الآن هو موجود و محسوس بعينه هو الذي يعاد يوم القيامة و يدخل الجنة أو النار)


أي أن الجسد الأول الذي لا يعود هو المركب من العناصر الأربعة وهو الأعراض والكثافات الموجودة في البدن المختلطه بلحمه وجلده وعظمه ومخه والمانعة من ظهور صفائه ونظافته وليس لها ربط بالبدن بوجه من الوجود.


وكذلك الإنسان بعدما يوضع ويلحد في قبره تتلاشى أجزاءه وتأكل الأرض تلك الأعراض أو الكثافات الموجودة فيه ، ولا تلحق تلك الأعراض بالبدن عند قيامه للحساب. 


أما الجسد الثاني الأصلي فهو الطينة الأصلية التي خلق منها فهو هذا الجسد المرئي المبصر الدنيوي فهو بعينه يعاد يوم القيامة لا يذهب منه شيء ولا يتغير بوجه لكن الذي يتغير منه هي الصورة التي هي الأعراض والكثافات كألوان من الثوب وتتبدل بأحسن منها.


مثال: كالغلام الأسود كان في الدنيا أسوداً ذا ريح نتنة وصورة قبيحة وفي الآخرة قطعا لا يأتي على هذه الصورة بل يعود أبيض نورانياً صافياً براقاً شفافاً في أحسن صورة.


* خلاصة القول :

إن الجسد الذي هو الآن موجود و محسوس بعينه هو الذي يعاد يوم القيامة وهو الذي يدخل الجنة أو النار وهو الخالد الذي خلق للبقاء وهو بعينه متعلق الثواب و العقاب ولا يشك في ذلك إلا من يشك في إسلامه لأن المعاد من أصول الدين ولكن أصل هذا الجسد مادة نورية كلما نزلت جمدت مثله مثل الحجر الأسود الذي كان في الأصل ملكاً فلما نزل إلى هذه الدنيا صار حجراً و كذلك جبرائيل الذي هو جوهر نوراني مجرد عن المادة العنصرية والمدة الزمانية فإذا نزل إلى الأرض لبس صورة دحية الكلبي وغيره فكذلك هذا الجسم كان نورياً مجرداً عن المادة العنصرية.


فلما تنزل من العوالم النورانية وصل إلى الزمان و العناصر ليس هيئتها أعني الصورة المعبر عنها بالجسد العنصري أو الكثافة البشرية مثل الماء فهو لطيف إذا جمد لبس الصورة الثلجية فإذا ذاب عاد إلى أصله.


فالموجود في الدنيا بعينه هو جسم الآخرة لكنه يكبر في القبر ويصفى فتأكل الأرض الجسد العنصري أي الأعراض والكثافات ويخرج يوم القيامة هذا الجسد بعد التصفية لطيفاً نورانياً.


وهذا الجسد من أرض هورقليا وهي كلمة سريانية ومعناها الواسطة أو البرزخ والمقصود هنا إليه هو الجسد من مادة متوسطة بين عالم الملكوت وعالم الملك أي عالم النفوس وعالم الأجسام وهو عالم المثال.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين