الجوهر السادس
(أنه تعالى لا اسم له ولا رسم)
إنه سبحانه و تعالى لا اسم له ولا رسم:
أما الأول : فلأن الأسماء بأسرها حادثة ، ولو كانت الذات مسماة بها للزم اقترانها بها ، ضرورة أن الاسم والمسمى مقترنان ، والاقتران من صفة الحدوث .
وأما ثانيا : فلأنها لو كانت مسماة بها لزم انتقالها من حال إلى حال ، لأنها قبل حدوث الأسماء لم تكن مسماة بها ، والانتقال من صفة الحدوث ، لأن القديم لا يسبقه حال حالاً ، لتنزهه عن المضي والحال والاستقبال ، فلا تطري عليه الأحوال .
وأما ثالثا : فلأن المختار وجود المناسبة الذاتية بين الأسماء والمسميات ، والنسبة تقتضي الحدوث.
وأما رابعا : فلأن الاسم إنما يوضع للشيء ليتعرف به لغيره ، ألا ترى أنك لو كنت في مكان لم يكن معك أحد لتدعوه الحاجة إليك ، حتى يدعوك باسمك ، لا تحتاج إلى اسم ورسم ، لأنك تعرف نفسك كونك أنت أنت.
فلا تدعوك الحاجة إلى أن تدعو نفسك باسم ورسم ، وأما إذا كان معك غيرك تحتاج إليه أو هو محتاج إليك فلا بد من وجود اسم حتى يدعوك به ويعرفك به ، فالاسم إنما يوضع للتعريف والتعرف لا غير ذلك ، وإلا لانتفت فائدة الوضع.
وقد أجمع المليون على أن الذات البات لا تقع في جهة المعرفة ، لأن المعرفة فرع الإحاطة ، وهو سبحانه لا يحاط ، لأنه وراء مالا يتناهى بما لا يتناهى . فإن قيل إن المعرفة الإجمالية كافية ، فوضع الاسم لتلك الجهة .
قلنا إن المجمل المتصور هل هو الذات أم غيرها فإن قيل هو الذات لزم المحذور وإن قيل غير الذات فالمعروف غيرها ، وهي لا تعرف فلا تحتاج إلى اسم ورسم ، ولأن الذات ليس لها إجمال وتفصيل حتى تعرف بالإجمال دون التفصيل ، لاستلزام ذلك القول بالتركيب ، فالأسماء إنما هي موضوعة بازاء الصفات الفعلية والإضافية والمقامات والعلامات ، لكن المقصود والمراد عند الإطلاق ليس إلا الذات البات ، لأن الذات غيبت الصفات.
فإن الظاهر أظهر من الظهور في المظاهر للمظاهر ، بل لنفس الظهور ، ولذلك إذا رأيت زيدا القاعد تقول له يا قاعد غير ملتفت إلى قعوده مع أنه لم يكن قاعداً إلا بالقعود ، فالقعود مبدأ اشتقاق قاعديته ، وتلك المقامات التي هي المسميات آيات وحدانيته ، التي قال الحجة عجل الله فرجه ورزقنا توفيق طاعته (وبمقاماتك وعلاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها إليكـ) الدعاء . وقوله لا فرق بينك وبينها يريد في التعريف والتعرف لا في الحقيقة الذات ، كالقاعد مثلاً فإن من عرفه عرف زيداً القاعد ، فلا فــــرق بــين القاعد وزيد في التعريف والتعرف ، وأما في الحقيقة القاعد صفة من صفات فعله ، أوجدها بفعله وسبيل معرفة ذلك ملاحظة المرآة أيضاً ، حتى تعلم أن المراد ليس إلا الذات البات ، وهذه الأسماء هي المعبرات لا كاشفات فأسمائه تعبير وصفاته تفهيم.
المصدر