الجوهر الخامس
(أنه لا يعرف من نحو ذاته تعالى)
إنه تعالى لا يعرف من نحو ذاته بوجه من الوجوه ، لما سنذكره إن شاء الله ، من وجوب المناسبة بين المدرِك والمدرَك ، ولما لم يكن نسبة بين الحق والخلق لم يكن للخلق طريق إلى معرفة الحق (فالطريق إليه مسدود والطلب مردود دلیله آياته ووجوده إثباته) .
فلم يظهر بذاته للخلق ، لأن الظهور فعل منه ، والظاهر من صفاته الفعلية ، ولأجل ذلك قال بعض أهل المعرفة (ظهور الحق للحق بالحق حق وظهور الحق للخلق بالحق خلق) قال أمير المؤمنين (ع): (الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه) ، وقال (ع): (تجلى لها بها وبها امتنع منها وإليها حاكمها) فالظاهر إنما يكون في رتبة الظهور ، والظهور للغير إنما يكون في رتبة الغير لا في رتبة ذاته ، فإذا لا يحيطون به علماً ، وعنـت الوجوه للحي القيوم ، شعر :
نارنــــــا هــــذه تضــــــيء لمـــــــن
يسري بليل لكنها لا تنيل
منتهى الحظ ما تزود منها
اللحظ و المدركون ذاك قليل
جاءها من عرفت يبغي اقتباسا
ولــــه البسط والمنى والسؤل
فتعالت عن المنال و عزت
عن دنو إليه وهو رسول
"إن قلت هو هو فالهاء والواو كلامه وخلقه وإن قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه رجع من الوصف إلى الوصف ودام الملك في الملك فسبحان ربك رب العزة عما يصفون" .
فلا يدرك بنحو من الادراكات لأن الخلق لم يخرجوا عن الإمكان ، ولم يكن الحق داخلاً في الأعيان ، ولم تكن ذاته ، متصفة بالدخول والخروج ، لأنهما من صفات الإمكان ، وأما ما ورد من أنه داخل في الأشياء لا كدخول شيء في شيء ، وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء ، فمعناه أن فعله داخل ، فيكون داخلاً بفعله ، فالداخل من صفاته الفعلية بحسب التعلقات ، لا أن الذات البات تدخل في الأشياء ، لأن الدخول والخروج يستلزم الاقتران الممتنع من الأزل الممتنع من الحدوث ، وسبيل معرفة دخوله في الأشياء يظهر من ملاحظة المرآة ، فإن المقابل ليس داخلا في المرآة ، ولا المرآة في المقابل ، وإنما الداخل هو ظهور المقابل في المرآة ، بقدر قابلية المرآة ، فيستدل بالصورة في المرآة على المقابل .
فكذلك سبحانه وله المثل الأعلى داخل بظهوره في الاشياء بالاشياء وخارج بظهوره أيضاً ، وقد عرفت أن الظاهر من صفاته الفعلية ، وهو في حقيقته كما قالوا (ع): (إن الله خلو من خلقه والخلق خلو منه) وكونه خلواً من الخلق أيضاً في رتبة الفعل ، فلا تتصف بالخروج ولا بالدخول أبداً .
المصدر