الجوهر الرابع
(في معنى أنه صمد)
إنه تعالى صمد لا يدخل في شيء ، ولا يدخل فيه شيء ، ولا يخرج منه شيء ، لأنه {لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ ، وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}
فإن القول بالدخول والخروج يستلزم حدوثه ، فبطل قول من زعم أن الأشياء كامنة في الذات ككمون الشجر في النواة ، وأن الأشياء مندرجة في غيب الذات اندراج اللوازم في الملزومات ،
فلا تصغ لما يزعمون من أن معطي الشيء يجب أن لا يكون فاقداً له في ذاته ، للزوم التكثر في الذات أولاً ، وانتقالها من حال إلى حال ثانياً ،
ضرورة أن العالم وُجِد بإفاضة المُوجِد إياه ، فلو كان قبل الإيجاد في الذات لزم عدم بقاءه بعد الوجود فيها ، فتطري عليه الحالتان الوجدان والفقدان.
هذا يجري على القول ، بأن حقيقة العالم مغايرة لحقيقة الواجب ، وأما على القول بعدم المغايرة فلا معنى للحدوث ، إذ هو عين القديم ، فلا خالق ولا مخلوق (وهف) ،
ولا تلتف إلى ما يقولون إن الله سبحانه أوجد الخلق بأمره (كن) فمتعلق الخطاب أعني المخاطَب (بفتح الطاء) يجب أن يكون موجوداً حتى يكون مستأهلاً للخطاب ، إذ المعدوم ليس بقابل للخطاب ، فإن قلنا بوجوده في الأعيان لزم تحصيل الحاصل في الإيجاد ، وتعدد القدماء.
فيجب أن يكون في مرتبة الوجوب قابلاً للتخاطب ، وبذلك الخطاب يخرج من غيب ذات الواجب إلى ساحة الأكوان .
لأنا نقول : إن ذات المخاطَب متأخرة عن رتبة الخطاب ، وهي لا توجد إلا بعد وجود الخطاب ، إذ الخطاب هو المبدأ لاشتقاق المخاطبية ، والمشتق لا يوجد إلا بعد وجود المبدأ ، فيستحيل وجود الخلق إلا بعد أمره كن ، فذات الخلق هي المفعول المطلق الذي لا يشترط وجوده قبل الفعل ، بل لا يتحقق إلا بعد وجود الفعل وبالفعل ، فالمفعول إنما هو مفعول بالفعل حين تعلق الفعل لا قبل ولا بعد ، فالشيء شيء بمشيئته سبحانه.
فيجب أن يكون الخطاب قبل المخاطَب رتبة ، لأن المخاطَب مخاطَب بالخطاب لا غير.
المصدر