شريكة الحسين زينب (عليها السلام)

خادم الشريعة الغراء آية الله المعظم المجاهد 

الحاج ميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي قدس سره


شريكة الحسين زينب (عليها السلام)


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا،  واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين آمين رب العالمين .


ولي كلام على عتبات السيدة الكبرى زينب عليها السلام ، إن كل معصوم عليه السلام يتفضل بقضاء الحوائج على أصحابها بشرط التوسل والتضرع على بابه. أما زينب عليها السلام فإنها تتفضل عليك وتقضى حاجتك وتحل مشكلتك قبل أن تبوح بما في قلبك وقبل أن تطلب منها حاجتك. وهذا المقام خاص بزينب عليها السلام! لماذا؟


لأن هذه البطلة ( بطلة كربلاء) كانت شريكة الحسين عليه السلام منذ طفولتها فكانت لا تفارقه ولا هو يفارقها فهي مساوقة له في جميع المصائب والمصاعب التي واجهتها سواء قبل كربلاء أو في كربلاء. 


فهي التي جهزت الحسين عليه السلام ليوم عاشوراء في ميدان القتال فاستمد سلام الله عليه الحول والقوة بإذن الله من أخته زينب عليها السلام رغم أنه عليه الصلاة والسلام قطب عالم الإمكان وبوجوده ثبتت السموات والأرض وثبت العالم بأهله حينما نفذت وصية أمها فاطمة الزهراء عليها السلام في ساعة وداع أخيها الحسين عليه السلام وعندما قبّلت نحره الشريف وصدره مستودع ذلك العلم والحجا. 


وحتى آخر لحظة من حياته الشريفة عليه أفضل الصلاة والسلام كانت زينب مساعدة ومعينة لأخيها الحسين فكانت تدافع عنه الأعداء إلى درجة أنها سلام الله عليها حينما أتى الشمر لعنه الله ليضرب الحسين عليه السلام بخنجره كانت السيدة زينب تصد ذلك الخنجر عن جسد أخيها الحسين بيدها حتى امسکت به فانكسر الخنجر بيدها الشريفة فصار جزء بيدها والجزء الآخر بيد ذلك اللعين. فما أعظمها و آلمها من رزية.


بأبي و أمي بنت سيدة الورى

أمست أسيرة شر أنذال الثرى


تدعوا ابن والدها أيا سامي الذرى

أنعم جوابا يا حسين أما ترى


شمر الخنا بالسوط كسر أضلعي

قد غبت عنا يا أخي فتركتنا


بين اللئام أيا فقيدا عزنا

أرضيت يا عز الكرام بذلنا

 

فأجابها من فوق شاهقة القنا

قضي القضا يا زينب فاسترجعي

 

أختاه ما هذا البكاء بمنظري

فبحق شيبتي الخضيرة إصبري


لا تحرقي قلبي ولا تتضجري

وتكفلي حال اليتامى و انظري


ما كنت أصنع في حماهم فأصنعي



وأما بعد استشهاد شريكها الحسين عليه السلام انطلقت إلى ساحة المعركة مهرولة ووضعت يدها تحت منحره الشريف وقالت: "اللهم تقبل منا هذا القربان لوجهك الكريم"


فبدأت مسيرتها وجرى ما جرى عليها من المصائب فكانت هي المسئولة الأولى في حفظ بقية الله الإمام زين العابدين عليه السلام وكذلك النساء والأطفال والأيتام فكانت تسكنهم وتهدئهم من هول المصاب وضرب السياط وحرارة الضمأ والعطش. 


فمن طريق الكوفة إلى طريق الشام أمست أسيرة شر أنذال الثرى، إلى أن أدخلوها مجلس شارب الخمر وراكب الفجور يزيد اللعين أبن اللعين على لسان النبي الأمي (صلى الله عليه و آله) فهزت بنبرات صوتها ذلك البلاط الأموي الغاشم الذي ألبسته عارا وشنارا. 


فأشهرت عن سلاح الصبر ودرع الاستقامة وترس التحمل بكلماتها وخطاباتها الرنانة كأنها تفرغ عن لسان أبيها الكرار وتتدفق من بيانها سيول البلاغة والفصاحة تمثل الحق تمثيلا ولا يرهبها سطوة خصومها فامتلكت مشاعرهم بدوافع حججها وقوامع براهينها كأنهم ألقمتهم حجرا وكهربتهم بنبرات صوتها كأنه صوت الإلهي الهابط من علياء السماء فألبستهم لؤما وشقاء، ففضحت وكشفت ظلم وجور يزيد لعنه الله وبني أمية فأسقطت عروش الظالمين على رؤوسهم، وحطمت كيانهم وهدمت أركانهم ففنتهم عن بكرة أبيهم. 


نعم فزينب عليها السلام بصبرها وبقوتها وشجاعتها وشهامتها كانت الحجر الأساس لنجاح ثورة الحسين عليه السلام ولبقاء دين جدها رسول الله (صلى الله عليه و آله) وأبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام فحسبها أنها استقلت زعامة الدين بعد شهادة الحسين عليها السلام وبقيت مرجعا للشيعة ردحا من الزمن حتى برئ الإمام علي بن الحسين عليهما السلام. 


وما أسماها من وظيفة وظفها أخوها وأكرم بعالمة غير معلمة، فتخرجت من مدرسة تنبثق عنها أشعة العلم والخلق وعلو الشأن وقوة القلب ونصرة الحق فتجلببت جلابيب الجلال والعظمة وحازت فضائل وفواضل وتكاملت في بيت غمر العالم بأنواره ويأزر إليه الإيمان وتسح عليه سماء النبوة بفيوض ربانية وتعطره بأشذائها القدسية، وبلغت في العفاف والحجاب مبلغا لا يسمع الجيران قط كلامها ولا يرى شخصها في النهار لأحد من الأجانب.