خطبة الحكيم الإلهي الميرزا عبدالله الحائري الإحقاقي
٥ جمادي الأول ١٤٤٦هـ
مولد السيدة زينب عليها السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
السَّلَامُ عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدى، وَمَصابيح الدجى، وَأَعْلامِ التَّقى، وَذَوِى النُّهى، وَأُولِي الْحِجى، وَكَهْفِ الْوَرى، وَوَرَثَةِ الْأَنْبِياءِ، وَالْمَثَلِ الأعلى، وَالدَّعْوَةِ الْحُسنى، وَحُجَج اللهِ عَلى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ والأولى وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ...
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} سورة يونس
صدق الله العلي العظيم
تصادف هذه الأيام السعيدة المباركة من شهر جمادى الأولى الذكرى العطرة لولادة عقيلة أهل البيت عليهم السلام ، السيدة زينب بطلة كربلاء وجبل الصبر والمقاومة ، عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة عليها السلام ، ثاني أعظم سيدة من سيدات أهل البيت المحمدي التي كانت حياتها مملوءة بالفضائل والكرامات العظيمة ، الشخصية التي نزلت تسميتها من السماء ، من قبل الله تعالى .
لمَا وُلدت عليها السلام أقبلت بها أمها الزهراء عليها السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام وقالت : سَم هذه المولودة !
فقال : ما كُنتُ لأسبقَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان في سفر له ، ولما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسأله علي عليه السلام عن اسمها فقال : ما كُنتُ لأسبقَ رَبِّي ! فهبط جبرائيل يقرأ على النبي السلام عن الجليل، وقال : سَم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله هذا الاسم ، فهذا يدل على عظمتها وسمو منزلتها.
فتحت السيدة زينب الكبرى عليها السلام عينيها في وجه أطهر أنثى على وجه الأرض ، وعاشت معها ليلها ونهارها، وشاهدت من أمها أنواع العبادة، والزهد، والمواساة والإيثار، والإنفاق في سبيل الله، وإطعام الطعام مسكيناً ويتيماً وأسيراً، فنشأت الصدّيقة زينب عليها السلام في بيت النبوة والتنزيل ، وقد غذتْها أمها فاطمة الزهراء عليها السلام بالعفّة والكرامة ومحاسن الأخلاق والآداب، وعلمتها الأحكام ، وأفْرَغَت عليها أشعة من مُثُلِها وقيمها حتى صارت صورةً صادقة عنها.
فلهذا لها كرامات عظيمة لا تعد ولا تحصى ، هذه الشخصية ذات الشأن العظيم والمنزلة الرفيعة ، هي التي سبحانه وتعالى قدر لها عليها السلام في قديم علمه، أن تحفظ له دينه وشريعته بعد شهادة وليّه الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام .
وهذا لعمري مهام الأنبياء والأولياء، وشأن ذوي العزائم الكبيرة ، من الرَّسل والأولياء ، الذين وكل الله إليهم هداية الناس، الى سبيل الحق ، وحفظهم عن طريق الخلاف وهكذا عملت زينب الكبرى، وقدّر الله لها أن تحمل بين جنبيها عَزَمات الأنبياء ، وجهود العظماء، من الرسل والأولياء، فزودها بكل مازود به صفوته ، من الصبر والثبات ، والشجاعة والجرأة ، والعلم الواسع ، والإيمان الراسخ ، الذى لا تُغيّره العواصف ، فقامت بدورها خير قيام ، في حفظ أسرة الحسين عليه السلام، وباقي الأسر، وكيان الإسلام والدين ، وإهانة الحكومة الأموية ، من خلال خطبها العالية والتأكيد على فضائل أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ، وأنهم هم الممثلون الحقيقيون للإسلام .
والحقيقة أنه لو لم تكن هناك زينب الكبرى عليها السلام ،بعد واقعة كربلاء لما كان خبر عن الإسلام ، ولا عن الدين والشريعة، فهي أنقذت الإسلام من أيدي الظالمين.
والمشهور بين العلماء والمؤرخين أنّها عالمة غير معلمة، ففي الحقيقة إن علمها عليها السلام علم إفاضة وإلهام من قبل الله تعالى عن طريق أوليائه الطاهرين والأئمة المعصومين عليهم السلام ، الَّذِين لا يُخيبون من توجّه إليهم ولاذ بهم .
وقد ثبت في التاريخ، أنّ بعض العلماء ، قد أخذوا أكثر علومهم ،من المعصومين عليهم السلام ، مباشرةً بطريق الكشف والإشراق،
ومن الأولى أن تحظى زينب عليها السلام ، بهذه العطيّة ، وهي التي مازالت تنتقل في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة ، من صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى حجر أمير المؤمنين عليه السلام إلى أحضان الزهراء عليها السلام
، ومع الإمامين الهمامين الحسن والحسين عليهم السلام، وقد تربت وترعرعت في بيت شامخ أحاطه الله بالطّهر والنقاء، ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )) .
من الكرامات التي كان يشير بها العلماء ، والمؤرخون، هي الإستجابة الفورية لدعائها ، وقضاء الحوائج منها عليها السلام .
فهذه الميزة كانت معهودة للأنبياء والأوصياء عليهم السلام في مقام أداء مهمتهم التبليغية ، ودعوة الناس إلى عبادة الله.
وأما أن تتوج زينب عليها السلام بهذه الميزة ، فهذا يدل على عظمتها ، وعلو منزلتها عند الله تبارك وتعالى.
وأما كراماتها الكثيرة ، لزوار قبرها الشريف ، وسرعة استجابتها للمتشفعين بها عليها السلام ، فهذا مما اشتهر في البلدان وأقر به المؤالفُ والمخالف، وكان والدي المعظم آية الله الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي يقول : ( وأحياناً كانت حاجتي تلبى في مضجعها الشريف قبل أن أعبر عن تلك الحاجة).
وهذا العلم اللدني وإضافة على ذلك عصمتها الجزئية ، وولايتها التكوينية المحدودة عليها السلام ، كانت سبباً أن يُحملها الإمام الحسين عليه السلام مقداراً من مهام الإمامة ، أيام مرض الإمام السجاد عليه السلام .
وأوصى إليها بجملة من وصاياه ، وأسرار الإمامة ، وأنابها الإمام زين العابدين عليه السلام نيابة خاصة ، في بيان الأحكام ،
التي تخرج من الإمام عليه السلام ، ولكن باسمها الشريف لتبليغها إلى الناس، مما يستوجب العصمة، وعدم السهو والخطأ .
أعزائي عندما تنظر إلى حياة زينب عليها السلام ، من زوايا مختلفة ، ترى أن لها حق كبير على عاتق الأجيال القادمة، في نشر وحفظ الإسلام المحمدي الصافي، ومنع تحريفه على أيدي غير المستحقين والمسيئين للإسلام .
الحب ، والطاعة ، والولاء والوفاء والتسليم المطلق للإمام عليه السلام ، والصبر على الشدائد والشجاعة ، من الدروس التي ينبغي أن نتعلمها منها ونطبقها في حياتنا.
نحمد الله تعالى أننا تربينا في أُسَر تُدافع عن المظلومين ، وتَقِف في وجه المنكرين والمعاندين ، وتقدّم فضائل أهل البيت عليهم السلام، ومناقبهم للناس كما كانت بقدر الإمكان ، وهي مشروط بشرط وهو توحيد الكلمة والوفاق بين أبناء الجماعة الاوحدية کما قال الله الحكيم (( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ))
وهذا الاتحاد محور تدور أعمالنا كُلُّها حوله دائماً وهو مِنْ تعاليمنا الدينية التي وصلت الينا عن طريق أئمتنا المعصومين عليهم السلام ، وعلمائنا وآبائنا وهو كمركز ثقل لبنية مدرستنا الأوحدية الولائية العلوية ، وأؤكد أنه أساس هذه المدرسه المباركه .
في الخاتمة نذكر علماءنا الماضين ، منهم جدي المقدس آية الله المعظم ، الميرزا موسى الحائري الإحقاقي، وعمي الأكبر آية الله المعظم الميرزا علي الحائري الإحقاقي ، والإمام المصلح والعبد الصالح آية الله المعظم الميرزا حسن الحائري الإحقاقي ، ووالدي واستاذي آية الله المعظم المظلوم الميرزا عبدالرسول الحائري الإحقاقي ، والشهداء الأبرار،
اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا
، واجعل عواقب أمورنا خيراً بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .