ثم عرج السيد كاظم (رحمه الله) على الطائفة الثالثة وقال:
(وأما الطائفة الثالثة ، فقد أصابوا في القبول والتصديق ، وأخطأوا في التعيين والتحقيق ، حيث أولوها على غير مرادهم صلى الله عليهم ، بل بما يلزم منه المفسدة العظيمة ، والزندقة الكبيرة ، ألا ترى قول الملا محسن حيث قال:
(قال بعض العارفين : إذا تجلَّى الله بذاته لأحد ، يرى كلّ الذوات والصفات والأفعال متلاشية ، في أشعّة ذاته وصفاته وأفعاله ، ويجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنّها مدبّرة لها ، وهي أعضاؤه ، لا يلمّ بواحد منها شيء إلَّا وهو يراه ملمّاً به.
ويرى ذاته الذات الواحدة ، وصفته صفتها وفعله فعلها ، لاستهلاكه بالكلِّيّة في عين التوحيد ، ولمّا انجذب بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات ، استتر نور العقل الفارق بين الأشياء ، في غلبة نور الذات القديمة ، وارتفع التمييز بين القدم والحدوث ، لزهوق الباطل عند مجيء الحقّ ، إلى أن قال:
ولعل هذا هو السّر في صدور بعض الكلمات الغريبة ، من مولانا أمير المؤمنين في خطبة البيان ، وفي خطبته الموسومة بالتطنجيّة وغيرهما من نظائرهما كقوله (عليه السلام):
أنا آدم الأوّل ، أنا نوح الأول ، إلى آخر ما قال من أمثال ذلك) (١).
فإنه مبنيّ على القول بوحدة الوجود ، ومعنى تجلّي الله لأحد بذاته عندهم ، كشف حجاب الأنية والتعين ، الفارقة بين القدم والحدوث ، فإن ذات العبد عندهم هو الوجود الصرف ، الذي هو ذات الله ، قد تعين بالتعين المخصوص . والقول بوحدة الوجود ، عليه أغلب فلاسفة الإسلام ، في كتبهم المنطقية والفلسفية ، وهذه كتبهم ناطقة بذلك . . . ) (٢).
هذه الطائفة نقيض وعكس الطائفة الأولى ، بأن جعلوا الخلق والخالق في رتبة واحدة ، وقال بعضهم:
أنا الله بلا أنا ، القائلون بوحدة الوجود ، أي وجود الحق تعالى هو عينه وجود المخلوق ، وهذا الرأي كما ذكرنا من قبل ، هو رأي أغلب الحوزات العلمية ، في النجف وقم وغيرها في البلدان من الحوزات ، وحدة الوجود ، بالاشتراك المعنوي ، يعني وجود الخلق هو عينه وجود الباري سبحانه وتعالى والعياذ بالله ، فهذا كلام وبيان مما لا بيان عليه ، أوضح من الشمس وأجلى من الأمس.