قال المفضل : يا سيدي ومتى هذه الأكوان؟
قال (عليه السلام) : يا مفضل ، أما الكون الأول نوراني لا غير ونحن فيه ، والكون الثاني جوهري لا غير ونحن فيه ، والكون الثالث هوائي لا غير ونحن فيه ، والكون الرابع مائي لا غير ونحن فيه ، والكون الخامس ناري لا غير ونحن فيه ، والكون السادس ترابي لا غير فأظلة ودور ثم سماء مبنية وأرض مدحية فيها الجانّ الذي خلقه الله من مارج من نار إلى أن خلق الله آدم من التراب.
قال المفضل : يا سيدي ، فهل كان في هذه الأكوان خلقٌ منها في كل كون؟
قال : نعم يا مفضل.
قال المفضل : يا سيدي، فهل نجد الخلق الذي كان فيها ونعرفهم؟
قال : نعم ، ما من كون إلا وفيه نوري وجوهري وهوائي ومائي وناري وترابي . يا مفضل ، تحب أن أُقرب عليك ، وأُريك أن فيك من هذه الستة أكوان؟.
اعلم أنه خلقك وخلق هذه البشر ، وكل ذي حركة من لحم ودم.
قال : يا سيدي ، أين ذلك؟
قال : يا مفضل ، الذي من الكون النوراني نوراً في ناظريك ، وناظرك بمقدار حبة عدس ، ثم ترى بها ما دركاه من السماء والهوام والأرض ومن عليها.
وفيك من الكون الجوهري ، يحس ويعقل وينظر ، وهو ملك الجسد.
وفيك من الكون الهوائي ، الهواء الذي منه نفسك وحركاتك ، وأنفاسك المترددة في جسدك.
وفيك من الكون المائي ، رطوبة ريقك ، ودموع عينيك ، وما يخرج من أنفك ، والسبيلين اللذين هما منك.
وفيك من الكون الناري ، النار التي في تراكيب جسدك ، وهو المنضج المنفذ مأكلك ومشاربك ، وما يرد إلى معدتك ، وهو الذي إذا حكت بعض ببعض ، كدت أن تقدح ناراً ، وبتلك الحرارة تمت حركاتك ، ولولا الحرارة لكنت جماداً.
وفيك من الكون الترابي ، عظمك ولحمك ودمك وجلدك وعروقك ومفاصلك وعصبك وتمام كمية جسمك.
قال المفضل : يا مولاي ، إني لأحسب أن شيعتك لو غلت كل الغلو فيكم ، تهتدي (١) إلى وصفٍ يسيرٍ مما فضلكم الله به من هذا العلم الجليل.
قال الصادق (عليه السلام) : ما لك يا مفضل لا تسأل عن تفصيل الأكوان الستة؟
قلت : يا مولاي ، بهرني والله عظيم ما سمعته من السؤال.
قال الصادق (عليه السلام) : نحن كنا في الكون النوراني لا غير ، وفي الجوهري لا غير ، وفي الهوائي خلق ، وهم جيل من الملائكة ، أما سمعت قول جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
لا يوقعن أحدكم بوله من عالي جبل ، ولا من سطح بيت ، ولا من رأس رابية ، ولا في ماء ، فإنّ للهواء سكاناً ، وللماء سكاناً؟.
قال المفضل : نعم يا مولاي ممَّ خلق أهل الماء؟
قال (عليه السلام) : خلقهم بصور وأجسام ، نطقوا بثلاث وعشرين لغة ، وقامت فيهم النذر والرسل والأمر والنهي ، وصارت فيهم ولادات ونسل ، وكوَّنهم الذي يقول : {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (۱).
قال المفضل : نعم يا مولاي . فالجان؟
قال الصادق (عليه السلام) : لما خلق الله السماوات والأرض ، سكن خلق الماء في البحار ، والأنهار والينابيع ، ومناقع الماء حيث كانت من الأرض ، وأسكن الجانّ الذي خلقه من مارج من نار ، فقامت فيهم النذر والرسل ، ونطقوا بأربع وعشرين لغة ، وأمر إبليس بالسجود لآدم ، والسجود هو الطاعة ، لا الصلاة ، فأبى واستكبر، وقال : لا أسجد لبشر ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين . فافتخر على آدم ، وعصى الله ، وقاس ويله النار بالنور ، وظن أن النار أفضل ، ولو علم أن النور الذي في آدم وهو الروح التي نفخها الله فيه ، كان أفضل من النار التي خلق منها إبليس ، لفسد قياسه (٢).