المرسل

 المرسل

هو ما رواه عن المعصوم من لم يدركه ، والمراد بالإدراك هنا ، التلاقي في ذلك الحديث المحدَث عنه ، بأنه رواه عنه بواسطة ، وأنّ إدراكه بمعنى اجتماعه به ونحوه.


وبهذا المعنى يتحقق إرسال الصحابي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بأن يروي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة صحابي آخر ، سواء كان الراوي تابعياً أم غيره (۱).


ذكر الشهيد الأول أنّ المرسل : ما رواه عن المعصوم من لم يدركه بغير واسطة ، أو بواسطة نسيها أو تركها . وقد يسمى : منقطعاً ومقطوعاً بإسقاط واحد ، ومعضلاً بإسقاط أكثر (۲).


لذا عمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير ، حتى قيل إن مراسيل ابن أبي عمیر کالمسانيد ، معمول بها حيث لم يسند إلا عن ثقة.


بيد أن الشهيد الثاني قال : والمرسل ليس بحجة مطلقاً ، سواء أرسله الصحابي أم غيره ، وسواء أُسقط منه واحد أو أكثر ، وسواء كان المرسل جليلاً أم لا في الأصح من الأقوال للأصوليين والمحدثين (۳) مع العلم أنه عمل بالمراسيل جم من العلماء ، وبالخصوص مراسيل ابن أبي عمير كما ذكر الشهيد الأول (رحمه الله):

(المشهور والمتواتر قطعيّ القبول ، لوجوب العمل بالعلم ، والواحد مقبول بشروطه المشهورة ، وشرط اعتضاده بقطعي: 

كفحوى الكتاب ، أو المتواتر ، أو عمومهما ، أو دليل العقل ، أو كان مقبولاً ، حتى عده الشيخ أبو جعفر (رحمة الله) من المعلوم المخبر ، أو كان مرسله معلوم التحرز عن الرواية عن مجروح . ولهذا قبلت الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن أبي نصر البزنطي لأنهم لا يرسلون إلا عن ثقة ، أو عمل الأكثر) (١).


وكذلك ممن يؤخذ بمراسيله الشيخ الصدوق رضوان الله عليه لضبطه وتقواه وقربه للتشريع ، قال السيد مهدي بحر العلوم: 

ومن الأصحاب من يذهب إلى ترجيح أحاديث (الفقيه) على غيره من الكتب الأربعة نظراً إلى زيادة حفظ الصدوق (رحمه الله) وحسن ضبطه وتثبته في الرواية ، وتأخر كتابه عن (الكافي) وضمانه فيه لصحة ما يورده ، وأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، وإنما يورد فيه ما يفتي به ويحكم بصحته ، ويعتقد أنه حجة بينه وبين ربه وبهذا الاعتبار ، قيل: 

إن مراسيل الصدوق في (الفقيه) کمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار ، وإن هذه المزية من خواص هذا الكتاب ، لا توجد في غيره من كتب الأصحاب ، والخوض في هذه الفروع تسليم للأصل من الجميع . .


على أن الشهيد الثاني - طاب ثراه - في (شرح دراية الحديث) قال : 

(إن مشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده إلى زماننا هذا لا يحتاج أحد منهم إلى التنصيص على تزكيته ، ولا التنبيه على عدالته لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم ، زيادة على العدالة).


ولعل هذا هو السر في عدم تنصيص أكثر المتأخرين من علماء الرجال على توثيق كثير من الأعاظم ممن لا يتوقف في جلالته وثقته وعدالته كالصدوق (رضي الله عنه) والسيد المرتضى ، وابن البراج ، وغيرهم من المشاهير ، اكتفاءً بما هو المعلوم من حالهم ، والطريق في التزكية غير منحصر في النص عليها ، فإن الشياع منهج معروف ومسلك مألوف ، وعليه تعويل علماء الفن في توثيق من لم يعاصروه -غالباً- ومع الظفر بالسبب ، فلا حاجة إلى النقل. 

وكيف كان فوثاقة الصدوق أمر ظاهر جليّ ، بل معلوم ضروري كوثاقة أبي ذر وسلمان ، ولو لم يكن إلا اشتهاره بين علماء الأصحاب بلقبيه المعروفين ، لكفى في هذا الباب) (١).


إذن المرسل بعضٌ أخذ به وهم الأكثر ، والآخر  - ومنهم الشهيد الثاني - أسقطه عن الحجية.