حديث الآحاد هو ما لا يتناهى إلى حد التواتر ، سواء أكان الراوي واحداً أم أكثر والمشهور أن خبر الآحاد ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية ، والذي أسس هذا التقسيم إلى أربعة هو العلامة النحرير أستاذ العلماء السيد جمال الدين أحمد بن طاووس قدست نفسه الزكية .
قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني قدست نفسه:
(فإن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ، وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفاً ، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلما اندرست تلك الآثار ، واستقلت الأسانيد بالأخبار ، اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد عن الشك ، فاصطلحوا على ما قدمنا بيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة ، إلا من السيد جمال الدين بن طاووس (رحمه الله) وإذا أُطلقت الصحة في كلام من تقدم ، فمرادهم منها الثبوت أو الصدق ، وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا ، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحة الرواية عنهم ، واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وهم ثمانية عشر رجلاً ذكرهم الكشي ، وحكى كلامه في شأنهم جمع من المتأخرين ، وأبان بن عثمان أحد الجماعة) (١).
ذكر الشيخ البهائي (رحمه الله) ، في العلة التي دعت العلماء إلى تقسيم خبر الآحاد إلى أنواع ، من متأخري الأصحاب بقوله:
(الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم ، على العدول عن متعارف القدماء ، ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو:
أنه لما طالت الأزمنة بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة ، لتسلط حكام الجور والضلال ، والخوف من إظهارها واستنساخها.
وانضمَّ إلى ذلك ، اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول ، في الأصول المشهورة في هذا الزمان ، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة ، بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول ، بغير المتكررة ، وخفي عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور ، التي كانت سبب وثوق العلماء ، بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم الجري على إثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه.
فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، والموثوق بها عما سواها ، فقرروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد ، وقربوا لنا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية ، بما اقتضاه ذلك الاصطلاح ، من الصحة والحسن والتوثيق (۲) وعلى ذلك قسم حديث الواحد ، إلى أربعة أقسام رئيسية.
- والأقسام الأربعة هي :
- الصحيح : هو الذي رواه عدل إمامي في كل الطبقات عن عدل إمامي مثله ، الذي ثبتت عدالته بالطرق الصحيحة . قال الشهيد الأول (قدست نفسه):
(وهو : ما اتصلت روايته إلى المعصوم بعدل إمامي ، ويسمى : المتصل والمعنعن ، وإن كان كل منهما أعم منه . وقد يطلق الصحيح على سليم الطريق من الطعن ، وإن اعتراه إرسال أو قطع) (١).
وقال أيضاً الشهيد الثاني (رحمه الله) ، في الصحيح
(الذي عليه جمهور المحدثين ، بل كاد يكون إجماعاً ، أنه : متصل إذا أمكن اللقاء – أي : ملاقاة الراوي بالعنعنة لمن رواه عنه - مع البراءة - أي : براءته أيضاً من التدليس : بأن لا يكون معروفاً به ، وإلا لم يكفِ اللقاء ، لأن من عرف بالتدليس ، قد يتجوز في العنعنة ، مع عدم الاتصال ، نظراً إلى ظهور صدقه في الإطلاق) (۲).
بشرط أن لا يكون شاذاً ، وعارض الشاذ الشيخان في صحيحة زرارة في حديث
(من دخل في الصلاة بتيمم ثم أحدث ، أنه يتوضأ حيث يصيب الماء) ويبني على الصلاة على تخصيصها بالنسيان.
- الحسن : هو الراوي الإمامي المتصل السند في كل طبقة ، ولم ينص أحد على ذمه أو عدالته ، قال الشهيد الأول (قدست نفسه):
(ما رواه الممدوح من غير نص على عدالته) (۳).
- الموثق : هو الراوي المسلم - غير الشيعي - الفاسد العقيدة ، لكنه ثقة أمين في النقل ، قال الشهيد الأول (قدست نفسه):
(ما رواه من نص على توثيقه مع فساد عقيدته ، ويسمى : القوي ، وقد يراد بالقوي مروي الإمامي غير المذموم ولا الممدوح ، أو مروي المشهور في التقدم عن الموثق) (۱)
(وهو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، ولم يشتمل باقيه على ضعف) (۲)
- الضعيف : هو غير هذه الأنواع المذكورة ، مثل المسلم المجروح بالفسق ، أو بالكذب أو المجهول حاله ، أو بأنه وضَّاع بأن يشتمل في طريقه ، فهو يقابل الصحيح والحسن والموثق ، قال الشهيد الأول (قدست نفسه):
(وربما قابل الضعيف الصحيح والحسن والموثق . ويطلق الضعيف بالنسبة إلى زيادة القدح ونقصانه) (۳).
قال الشهيد الثاني:
(فذهب الأكثر إلى منع العمل به مطلقاً ، للأمر بالتثبت عند إخبار الفاسق الموجب لردّه ، وأجازه آخرون وهم جماعة كثيرة ، منهم من ذكرنا مع اعتضاده بالشهرة ، روايةً ، بأن يكثر تدوينها بلفظ واحد أو ألفاظ متغايرة متقاربة المعنى ، أو فتوى بمضمونها في كتب الفقه لقوة الظن بصدق الراوي في جانبها أي جانب الشهرة ، إن ضعف الطريق ، فإن الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه) (٤).
فالمدرسة الإخبارية ترى صحة جميع الكتب الأربعة : الكافي للشيخ الكليني ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق.
فهم لا يؤمنون بهذا التقسيم للحديث إلى أربعة أقسام ، فعندهم الحديث إما صحيح إذا احتف بقرائن تفيد القطع ، وإما ضعيف.
قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني:
(فإن القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ، وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفاً ، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره ، فلما اندرست تلك الآثار ، واستقلت الأسانيد بالأخبار ، اضطر المتأخرون إلى تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد عن الشك ، فاصطلحوا على ما قدمنا بيانه ، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة ، إلا من السيد جمال الدين بن طاووس رحمه الله.
وإذا أُطلقت الصحة في كلام من تقدم ، فمرادهم منها الثبوت أو الصدق ، وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا ، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحة الرواية عنهم ، واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وهم ثمانية عشر رجلاً ، ذكرهم الكشي ، وحكى كلامه في شأنهم جمع من المتأخرين ، وأبان بن عثمان أحد الجماعة) (١).
وقال أيضاً : (والذي حدانا على ذلك ما رأيناه من تلاشي أمر الحديث ، حتى فشا فيه الغلط والتصحيف ، وكثر في خلاله التغيير والتحريف ، لتقاعد الهمم عن القيام بحقه ، وتخاذل القوى عن النهوض لتلافي أمره ، مع أن مدار الاستنباط لأكثر الأحكام في هذه الأزمان عليه ، ومرجع الفتاوي في أغلب المسائل الفقهية إليه . .
ولقد كانت حاله مع السلف الأولين على طرف النقيض ممّا هو فيه مع الخلف الآخرين ، فأكثروا لذلك فيه المصنفات ، وتوسعوا في طرق الروايات ، وأوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات إلى التفرقة بين صحيح الطريق وضعيفه ، ولا تعرض للتمييز بين سليم الإسناد وسقيمه ، اعتماداً منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه ، وتعويلاً على الأمارات الملحقة لمنحط الرتبة بما فوقه كما أشار إليه الشيخ (رحمه الله) في فهرسته حيث قال:
إن كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وكتبهم معتمدة . .
وقال المرتضى (رضي الله عنه) في جواب المسائل التبانيات المتعلقة بأخبار الآحاد:
(إن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها ، إما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة ، أو بأمارة وعلامة دلت على صحتها ، وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم ، مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص معين من طريق الأحاد . .
وغير خافٍ أنه لم يبقَ لنا سبيل إلى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين وأصبح حظنا الأثر ، وفازوا بالعيان ، وعوضنا عنه بالخبر ، فلا جرم انسد عنا باب الاعتماد على ما كانت لهم أبوابه مشرعة ، وضاقت علينا مذاهب كانت المسالك لهم فيها متسعة ، ولو لم يكن إلا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الإجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى به سبباً لإباء الدراية على طالبها) (١).
وقال الشيخ المحقق يوسف البحراني (رحمه الله):
(إن أصحاب هذا الاصطلاح قد اتفقوا على أن مورد التقسيم إلى الأنواع الأربعة ، إنما هو خبر الواحد العاري عن القرائن ، وقد عرفت من كلام أولئك الفضلاء المتقدم نقل كلامهم وبذلك صرح غيرهم أيضاً - أن أخبار كتبنا المشهورة محفوفة بالقرائن الدالة على صحتها ، وحينئذ يظهر عدم وجود مورد التقسيم المذكور في أخبار هذه الكتب ، وقد ذكر صاحب المنتقى:
أن أكثر أنواع الحديث المذكورة في دراية الحديث بين المتأخرين ، من مستخرجات العامة بعد وقوع معانيها في أحاديثهم ، وأنه لا وجود لأكثرها في أحاديثنا . وأنت إذا تأملت بعين الحق واليقين ، وجدت التقسيم المذكور من هذا القبيل . إلى غير ذلك من الوجوه التي أنهيناها في كتاب المسائل إلى اثني عشر وجهاً ، وطالب الحق المنصف تكفيه الإشارة ، والمكابر المتعسف لا ينتفع ولو بألف عبارة) (٢).
قال الحر العاملي (رحمه الله):
(في ذكر الأدلة على صحة أحاديث الكتب المعتمدة ، تفصيلاً في ذكر الاستدلال على صحة أحاديث الكتب التي نقلنا منها هذا الكتاب وأمثالها تفصيلاً ، ووجوب العمل بها فقد عرفت الدليل على ذلك إجمالاً.
ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح ، وحسن ، وموثق ، وضعيف ، الذي تجدد في زمن العلامة ، وشيخه أحمد بن طاووس ، والذي يدل على ذلك وجوه:
الأول :
أنّا قد علمنا - علماً قطعياً بالتواتر والأخبار المحفوفة بالقرائن -:
أنه قد كان دأب قدمائنا وأئمتنا (عليهم السلام) ، في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ، ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة وغيرها ..
وكانت همة علمائنا مصروفة في تلك المدة الطويلة ، في تأليف ما يحتاج إليه من أحكام الدين لتعمل بها الشيعة . .
وقد بذلوا أعمارهم في تصحيحها وضبطها وعرضها على أهل العصمة ، واستمر ذلك إلى زمان الأئمة الثلاثة أصحاب الكتب الأربعة ، وبقيت تلك المؤلفات بعدهم – أيضاً مدة . .
وأنهم نقلوا كتبهم من تلك الكتب المعلومة ، المجمع على ثبوتها ، وكثير من تلك وصلت إلينا ، وقد اعترف بهذا جمع من الأصوليين ، أيضاً ..
الثاني :
أنّا قد علمنا بوجود أصول ، صحيحة ثابتة ، كانت مرجع الطائفة المحقة يعملون بها بأمر الأئمة ، وأن أصحاب الكتب الأربعة وأمثالها ، كانوا متمكنين من تمييز الصحيح من غيره غاية التمكن ، وأنها كانت متميزة ، غير مشتبهة.
وأنهم كانوا يعلمون : أنه مع التمكن من تحصيل الأحكام الشرعية بالقطع واليقين - لا يجوز العمل بغيره . .
وقد علمنا : أنهم لم يقصروا في ذلك ، ولو قصروا لم يشهدوا بصحة تلك الأحاديث ، بل المعلوم من حال أرباب السير والتواريخ :
أنهم لا ينقلون من كتاب غير معتمد مع تمكنهم من النقل من كتاب معتمد ، فما الظن برئيس المحدثين ، وثقة الإسلام ورئيس الطائفة المحقة؟؟؟ .
ثم لو نقلوا من غير الكتب المعتمدة كيف يجوز - عادة - أن يشهدوا بصحة تلك الأحاديث؟ ويقولوا: إنها حجة بينهم وبين الله؟ ومع ذلك تكون شهاداتهم باطلة ولا ينافي ذلك ثقتهم وجلالتهم؟ هذا عجيب ممن يظنه بهم ..
الثالث :
أن مقتضى الحكمة الربانية وشفقة الرسول والأئمة (عليهم السلام) بالشيعة أن لا يضيع من في أصلاب الرجال منهم ، وأن تمهَّد لهم أصول معتمدة يعملون بها زمن الغيبة ، ومصداق ذلك هو ثبوت الكتب المشار إليها وجواز العمل بها) (١).
إذن القدماء صححوا كل ما في الكتب الأربعة:
الكافي للشيخ الكليني ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي ، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ، لوجود قرائن تدل على صحتها ، أما المتأخرون فبحثوا في السند وقسموه على أربعة أقسام ، ما يعمل به وما لا يعمل به كما تقدم.
لذا يمكن القول إن الحديث ينقسم ، بلحاظ عدد رواته إلى متواتر وخبر آحاد.
وبلحاظ أوصاف الرواة من العدالة والضبط والإيمان وعدمها إلى الصحيح والحسن والضعيف والموثق.
وبحسب اتصاله بالمعصوم (عليه السلام) وعدمه إلى مسند ، ومعلق ، ومقطوع ومنقطع ومرسل.
وباعتبار ما يعرض له إلى معنعن ومضمن وعالي ومسلسل.
وبلحاظ المروي إلى معلل ومدرج ومدلس ومقلوب ومصحف.
وبلحاظ الراوي إلى المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والمتشابه وغير ذلك ، وبيان ذلك هو: