بعض الشيعة في زمنهم (عليهم السلام) بسبب معاشرتهم للمخالفين يعتقدون بكل من بويع بالخلافة

 بعض الشيعة في زمنهم (عليهم السلام) بسبب معاشرتهم للمخالفين يعتقدون بكل من بويع بالخلافة

وهذا كثير قديماً وحديثاً ، وبالخصوص في بداية الإسلام ، وفي زمن حضور المعصومين (عليهم السلام) ، كان أكثر الشيعة ، عندهم ميل مع حكام الجور ، تارة مع الإمام (عليه السلام) ، وتارة مع الحكام المخالفين ، لأنهم يرون أن بيعتهم صحيحة ، من هؤلاء في صدر الإسلام عبد الله بن مسعود ، قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في رجاله: 

(فإنه عنده خلط ، وسئل الفضل بن شاذان عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري ، وقتاله مع معاوية المشركين ، فقال : 

كان ذلك منه قلة فقه وغفلة ، ظن أنه إنما يعمل عملاً لنفسه يقوي به الإسلام ، ويوهي به الشرك ، وليس عليه من معاوية شيء ، كان معه أو لم يكن. 

وسئل عن ابن مسعود وحذيفة فقال : لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود ، لأن حذيفة كان ركناً ، وابن مسعود خلط ووالى القوم ، ومال معهم وقال بهم) (١).


ومنهم المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، فإنه مال مع عبد الله بن الزبير ، الذي من شدة عداوته ، تسمى خطبته بالخطبة البتراء ، لأنه إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يصلي عليه ، قيل لماذا لا تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ 

قال : إن له أهل بيت سوء ، إذا ذكرته تشرئب نفوسهم لذلك . ثم مال مع الخوارج الذين كفَّروا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، ضد ابن الزبير الذي تحالف معه.


قال حجة الإسلام الميرزا محمد تقي المامقاني (رحمه الله): 

(وتفصيل ذلك أن كثيراً من قدماء الشيعة ، وأهل أعصار الأئمة (عليهم السلام) ، من جهة كثرة معاشرتهم مع المخالفين ، المتسامحين في أمر الإمامة والرياسة العامة ، بحيث جازت عندهم إمارة كل من بويع له ، ولو كان عارياً عن كمال العلم والعمل ، وشرافة الحسب والنسب ، كانوا لا يعرفون من خصائص الإمام ، غير أنه من الأوصياء المعصومين من الذنوب والخطأ ، وأنه ذو علم غزير ، تفوَّق به وبقرابة النبي على غيره.


ولهذا كانوا يكتفون بذلك عن تفتيش غيرها من لوازم الإمامة التي هي تالي النبوة ، ومن سائر ما في الأئمة من غرائب الأحوال وعجائب الفضائل ، التي أودعها الله فيهم ، حيث فضَّلهم كجدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع المخلوقين كافة ، حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين ، فكان هؤلاء إذا وقفوا على شيء من تلك الغرائب ، الغير الملائمة لما كان راسخاً في أذهانهم ، وما استقرت عليه آراؤهم ، على وفق مقتضى عقولهم ، فمنهم من كان ينكره بتكذيب الراوي ، أو بتأويله ولو ببعيد ، ومنهم من كان يضطرب ويتزلزل ، حتى إذا تكررت عليه ، وثبتت عنده ، تجاوز إلى حد الغلو فيهم ، والإبعاد في الدين ، حيث لم يدرِ أن لا استبعاد بالنسبة إلى كرم الله ولطفه ، أن يتفضل على بعض عبيده المخلصين له بكمالات نبيلة وفضائل جليلة يعجز عن استجماعها سائر الخلق.


وأيضاً كان في أصحاب الأئمة والمنسوبين إلى التشيع ، من كان غالباً عليه حب الدنيا والرياسة ، منتهزاً للفرصة في تحصيل ذلك ، فلما رأى ضعف معرفة هؤلاء الجهال ، شرع في إغوائهم ، بما كان مائلاً إليه طباعهم ، بإيذاع الشبهة ، وإظهار الشعابذ كما سيأتي.


نعم قليل منهم الذين اطلعوا على دقائق علائق الإمامة ، وعرفوا حقائق أحوال الأئمة ، على ما هو الحق الصحيح ، المأخوذ منهم (عليهم السلام) ، فقاموا واستقاموا على النمرقة الوسطى ، والطريقة التي لا عوج فيها ، ولم يزلّوا في ما زلت فيه أقدام غيرهم ، ولهذا كان الأئمة (عليهم السلام) لا يظهرون سرائر حالاتهم ، وخفايا كمالاتهم على كل أحد ، بل كانوا ينتجعون بعض كمّال الخواص ، لذكر نبذ من خصائصهم ، مشترطين عليهم ستر ذلك عن النقلة والجهال ، كما ورد عنهم (عليهم السلام): 

(إن أمرنا صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان) (١).


فهذا بيان ما وراء عبادان قرية ، فقد فصل وبيِّن مما لا إشكال فيه ، لمن أراد البيان والمراد ، وقد ترى البعض يتوقف في الروايات والمزيّات لأهل العصمة (عليهم السلام) ، لعدم قبول عقله لها ، ولأنّ فطرته تمجُّها ، فيجعلها من المهملات ، بل يجعلها من موضوعات الغلاة والعياذ بالله ، مثل الخطبة النورانية لأمير المؤمنين المروية عن سلمان المحمدي الفارسي ، وأبي ذر رضوان الله عليهما ، وأيضاً خطبة البيان والتطنجية ، وغيرها من الخطب التي فيها مقامات المعصومين (عليهم السلام) ، فننقل هنا ما ذكره السيد كاظم الرشتي ، وهو من أكابر تلامذة الشيخ أحمد الأحسائي قدست نفسه المباركة ، المعروف بسعة علمه ، وعلوّ مداركه ، وتبحُّره في أغلب العلوم والفنون رضوان الله عليه.