المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين .
وبعد
أعزائي المحترمين ، هذا الكتاب المتواضع ، الذي بين أيديكم ، يحتوي على علم الحديث للدراية والرواية ، من جهة السند والمتن ، على رأي مدرسة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي رضوان الله عليه ، هل سلك مسلك المشهور؟ من تضعيفهم لأغلب الروايات ، لضعف السند ، أو لغرابة الرواية ، أو لكونها تشتمل على غلو في مقامات المعصومين (عليهم السلام) كما يدعي البعض ، أو لأن الراوي متهم بفساد العقيدة ، فلا يؤخذ منه ، ونرمي بها عرض الحائط ، كما عليه الأكثر .
بينا في هذه الصفحات اليسيرة ، مسلك المشهور ، من تضعيفهم لأغلب الروايات ، لأسباب يأتي عليها التفصيل ، مع تعريف على كلمات علماء مدرسة الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي (رحمه الله) ، كالسيد كاظم الحسيني الرشتي ، وآية الله المقدس الميرزا محمد تقي المامقاني رفع الله في الجنان درجتهما ، وأعلى الله مقامهما .
لذا تميزت هذه الصفحات ، في تعريفها لعلم الدراية ، بأن ربطت بين علم الحديث (الدراية) وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) ، فيما يؤخذ وما لا يؤخذ ، على مقياسهم (عليهم السلام) فقط ، لذا توجد آلاف الروايات مهملة ، في كتب الأحاديث عند البعض ، إما بسبب اعتقاد غلو الراوي ، أو الراوي عدل لكن الرواية لا تقبل عقلاً ، ولا تنطبق على ظواهر الشريعة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأيهم ، وأكابر علماء المذهب ذهب إلى هذا الأمر ، مع ترجمة بعض رجال الحديث ، بحسب ما ورد في هذا الكتاب المتواضع .
مع حكم العقل قبل الشرع ، بكمال المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) ، وقد ألف جدي المقدس الميرزا محمد باقر الأسكوئي ، كتاباً اسمه الرسالة التطهيرية ، بيَّن فيه طهارة المعصومين (عليهم السلام) ، من النجاسات الظاهرية والمعنوية ، بل تدلّ كل صفاتهم على أنهم كاملون ، لأنهم (عليهم السلام) منزَّهون عن جميع النواقص مكملون للأكوان والإمكان ، وكذا أعلام المدرسة للشيخ أحمد الأحسائي ، أشبعوا هذا الأمر دراسةً في كتبهم وسيرتهم ، وقد أُوذوا وحورِبوا ، وأُقصوا من الفرقة الناجية ، بسبب تصحيحهم لهذه الروايات واعتمادها ، كما ستعرف في طيات هذا الكتاب المتواضع .
مع العلم أن روايات المعصومين (عليهم السلام) نصت على هذا الأمر ، كما في المعاني للشيخ الصدوق (رحمه الله) قال : حدثنا أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنهما) قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، وأحمد بن إدريس ، ومحمد بن يحيى العطار (رحمه الله) قالوا : حدثنا أحمد بن محمد بن خالد قال : حدثنا علي بن حسان الواسطي ، عمن ذكره ، عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :
(أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، إن الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب) .
وقال (رحمه الله) عن أبي (رحمه الله) قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن بريد الرزاز ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) :
(يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإن المعرفة هي الدراية للرواية وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إني نظرت في كتاب لعلي (عليه السلام) فوجدت في الكتاب أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته ، إن الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا).
وقال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رضي الله عنه) قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال :
(حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى يعرف معاريض كلامنا ، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج) (۱) .
والعجب العجاب أن بعض المكتبات الالكترونية ، ضمت أكثر من سبعة وثلاثين ألف كتاب ، من كتب العامة والخاصة ، القدماء والمحدثين، وكتب المتطرّفين في مذهب أهل البيت (عليه السلام) ، وكتَّاب ليس لهم تلك المنزلة ، ويستثنون فقط كتب الشيخ أحمد ابن الشيخ زين الدين الأحسائي ومريديه وتلامذته ، وفي نفس الوقت يدرّسون كتب الصوفية ، بل يشرحون كتبهم ، ككتب ابن عربي وغيره ، في حوزات أهل البيت (عليهم السلام) ، مع القطع بتزكية الشيخ الأحسائي وعقائده ، من أساطين العلم ، وجهابذة الدهر ، وأركان التشيع ، ونواميس الشريعة ، كإجازة الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الدمستاني البحراني ، والشيخ أحمد بن الشيخ محمد آل عصفور البحراني ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي ، والشيخ حسين آل عصفور الذي قال في إجازته للشيخ أحمد الأحسائي (رضوان الله عليه):
(وحقيق أن يجيز لا أن يجاز) ، والشيخ محمد بن الشيخ حسين بن أحمد بن عبد الجبار القطيفي ، والسيد علي الطباطبائي صاحب كتاب الرياض المشهور ، والشيخ محمد ابن الشيخ حسين بن أحمد بن عبد الجبار القطيفي ، والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني ، والشيخ موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، فهؤلاء أساطين الدين ، وقمم المرجعية ، الذين قلَّ نظيرهم ، وإن كان الكل إلى خير.
وكما هو المعروف عند القاصي والداني ، أن هؤلاء الجهابذة ، لا يجيزون اعتباطاً ، أو حباً للدنيا أو لمصالح ، حاشاهم ثم حاشاهم ، أن يفعلوا هكذا ، بل أجازوه لما رأوا ما عنده ، من علوم عالية ، من علم الشريعة والطريقة ، والحكمة المتعالية حكمة أهل البيت (عليهم السلام) ، كما قال تعالى :
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ} (۱) وفي نفس الوقت التقوى والورع وعلوّ الخلق.
والإجازة من هكذا مرجعية ، لا تتسنى لأي أحد ، وإن بلغ ما بلغ ، فمن حضر حوزات العلم ، واستأنس بروائح المرجعية ، يجد أن الإجازة من هكذا أقطاب ، لا يجيزون أيَّ أحد مهما كان ، فتناول الثريا أقرب له ، من كتابة حرف واحد ، يصدر عنهم ، في حق عالم أو طالب .
على كل حال ، الكثير من الروايات ، ينهى عن رفض ما لا يقبله الناقل ، أياً كان بسبب أو بآخر ، لا يتماشى مع إدراكه وعقله ، لأن عقل المخلوق المحجوج ناقص ، ولا يكون ميزاناً ، بل الميزان الكتاب والسنة المطهرة (عليه السلام).