الواقفية سببها طمع في الدنيا

 الواقفية سببها طمع في الدنيا

من المصائب على أهل البيت (عليه السلام) أنهم أُوذوا في حياتهم وبعد شهادتهم ، كما في سيرة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وتحدث القرآن كثيراً عن أذيتهم من قومهم ، وأعظم الأنبياء تأذِّياً خاتمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) 

(ما أُوذي نبيّ مثل ما أوذيت) (۱) 

قال تعالى :

{وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ} (۲)


فمن بين المظلومين بعد شهادتهم الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، فما أن انتقل إلى الرفيق الأعلى ، حتى انقلبت جماعة من أصحابه والملازمين له ، عن الاعتراف بوصيه من بعده ، وهو الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، وادَّعوا أن الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يمت بل هو الغائب المنتظر ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، مع العلم أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قد أخبرهم بوصيّه ، وأخبرهم أنهم ظالمون له ، كما روي عن الأشعري عن عبد الله بن محمد ، عن الخشاب ، عن أبي داود قال : 

(كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني ـ وكان رئيس الواقفة ـ فسمعته يقول : 

قال أبو إبراهيم (عليه السلام) : إنما أنت وأصحابك يا علي أشباه الحمير ، 

فقال لي عيينة : أسمعت؟ 

قلت : إي والله لقد سمعت 

فقال : لا والله لا أنقل إليه قدمي ما حييت) (١) . 


وروى ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عمر ابن يزيد وعلي بن أسباط جميعاً قالا : قال لنا عثمان بن عيسى الرؤاسي : حدثني زياد القندي ، وابن مسكان ، قالا : كنا عند أبي إبراهيم (عليه السلام) إذ قال : 

(يدخل عـلـيـكـم الساعة خير أهل الأرض ، فدخل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) وهو صبي ، 

فقلنا : خير أهل الأرض؟! ثم دنا فضمَّه إليه فقبَّله، 

وقال : يا بنيّ تدري ما قال ذان؟ 

قال : نعم يا سيدي هذان يشكّان فيَّ) (٢) .


قال علي بن أسباط : فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب فقال : بتر الحديث (۳) ، لا ولكن حدثني علي بن رئاب أن أبا إبراهيم قال لهما : 

(إن جحدتماه حقه أو خنتماه فعليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، يا زياد ولا تنجب أنت وأصحابك أبداً) .


قال علي بن رئاب : فلقيت زياداً القندي فقلت له : بلغني أن أبا إبراهيم قال لك كذا وكذا ؟ 

فقال : أحسبك قد خولطت ، فمر وتركني فلم أكلمه ولا مررت به .


قال الحسن بن محبوب : فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام) ، حتى ظهر منه أيام الرضا (عليه السلام) ما ظهر ومات زنديقاً (۱) .


وفي كمال الدين وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) : عن ابن مسرور ، عن ابن عامر ، عن المعلى ، عن علي بن رباط قال : 

قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) إن عندنا رجلاً يذكر أن أباك (عليه السلام) حي ، وأنت تعلم من ذلك ما تعلم ، 

فقال : سبحان الله مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم يمت موسى بن جعفر؟! بلى والله ، والله لقد مات وقسمت أمواله ، ونكحت جواريه (۲) .


وروى في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن الوراق ، عن سعد ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ربيع بن عبد الرحمن قال : 

كان والله موسى بن جعفر (عليه السلام) من المتوسمين ، يعلم من يقف عليه بعد موته ويجحد الإمامَ بعده إمامَته فكان يكظم غيظه عليهم ، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم لذلك (٣) .


والسبب الحقيقي للتوقف عند الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في إمامته ، هو الطمع وحب الدنيا فقط ، وإلا فهم من العالمين يقيناً بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام) ، ولكن حب الدنيا يعمي ويصم ، ويغير مسار الحقيقة إلى الباطل والعياذ بالله ، لذا ترى الظالمين لأهل البيت (عليهم السلام) يعلمون بمقامهم وأحقيتهم وخلافتهم الرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن مصالحهم وطمعهم في الدنيا يمنعهم عن ذلك ، فجُحودهم لمقام أهل البيت (عليهم السلام) حصل بعد الاستيقان به والقطع بحقيقته . 

قال الله عز وجل : 

{وَجَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (١) 


قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) وقد روي السبب الذي دعا قوماً إلى القول بالوقف ، فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني (٢) ، وزياد بن مروان القندي (۳) ،

وعثمان بن عيسى الرؤاسي (١) ، طمعوا في الدنيا ، ومالوا إلى حطامها ، واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع (٢) ، وابن المكاري (١) ، وكرَّام الخثعمي (٢) وأمثالهم . 


فروی محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد عن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن الفضل ، عن يونس بن عبد الرحمن قال : 

(مات أبو إبراهيم (عليه السلام) وليس من قُوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ، طمعاً في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ، فلما رأيت ذلك ، وتبينت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا ما علمت ، تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إليّ وقالا : 

ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، 

وقالا لي : كُفّ ، 

فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادقين (عليهم السلام) أنهم قالوا : 

إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب نور الإيمان ، وما كنت لأدع الجهاد في أمر الله على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة) (۱) .


الواقفية خانوا الله ورسوله وأئمتهم صلى الله عليهم وأماناتهم ، بسبب أوساخ الدنيا ، روى الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن علي بن حبشي بن قوني ، عن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال : 

(كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخاً من أهل بغداد ، وكان يهازل عمي ، فقال له يوماً : ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة ـ أو قال الرافضة ـ فقال له عمي : ولم لعنك الله ؟ قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج) (۲)


قال لي لما حضرته الوفاة : إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى ابن جعفر ، فدفعت ابنه عنها بعد موته ، وشهدت أنه لم يمت فالله الله خلصوني من النار ، وسلموها إلى الرضا (عليه السلام) ، فوالله ما أخرجنا حبة ، ولقد تركناه يصلى في نار جهنم (۱) .


في غيبة الشيخ الطوسي : العطار ، عن أبيه ، عن ابن أبي الخطاب ، عن صفوان بن يحيى عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد قال : قال الرضا (عليه السلام) :

ما فعل الشقيّ حمزة بن بزيع ؟ قلت : هو ذا هو قد قدم ، فقال : يزعم أن أبي حيّ ، هم اليوم شكّاك ولا يموتون غداً إلا على الزندقة .


قال صفوان : فقلت في ما بيني وبين نفسي : شكّاك قد عرفتهم ، فكيف يموتون على الزندقة ؟! فما لبثنا إلا قليلاً حتى بلغنا عن رجل منهم ، أنه قال عند موته هو كافر برب أماته ، قال صفوان : فقلت : هذا تصديق الحديث (۲) الضمير في قوله : أماته راجع إلى الكاظم (عليه السلام) 


وروى محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان قال : 

ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا (عليه السلام) فلعنه ثم قال : 

(إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يُعبد الله في سمائه وأرضه ، فأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك ، 

قلت : المشرك ؟ 

قال : نعم والله رغم أنفه ، كذلك هو في كتاب الله {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} (۱) وقد جرت فيه وفي أمثاله ، إنه أراد أن يطفئ نور الله) (۲) .


فالواقفة - لعنهم الله - ليسوا مارقين عن الدين وزنادقة فقط ، بل عندهم جرأة ووقاحة وسوء أدب ، حيث إنهم لما أخذوا أموال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من نقد وعين وعبيد وإماء ، فمن جرأتهم أنهم لما استولوا على الإماء أعتقوهنّ ، ثم نكحوهنّ ودخلوا بهن ، بينما الإماء ملك الإمام الكاظم (عليه السلام) من تركته ، والتركة لا علاقة لها بمقام الإمامة وحق الإمام (عليه السلام) ، فالواجب أن ترجع الإماء إلى الورثة . 


ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن ابن الوليد ، عن الصفار وسعد ، معا ، عن ابن يزيد عن بعض أصحابه قال : 

(مضى أبو إبراهيم وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرؤاسي ثلاثون ألف دينار ، وخمس جوارِ ، ومسكنه بمصر ، فبعث إليهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام) أن احملوا ما قِبلكم من المال ، وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوارِ ، فإني وارثه ، وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ، ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولورّاثه قِبلكم، وكلام يشبه هذا ، فأما ابن أبي حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده ، وكذلك زياد القندي .


وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه : إن أباك صلوات الله عليه لم يمت ، وهو حي قائم ، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل ، واعمل على أنه قد مضى كما تقول ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وأما الجواري فقد أعتقتهن وتزوجت بهن) (۱) .


روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) : عن أحمد بن حماد قال : 

(كان أحد القُوّام عثمان بن عيسى ، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير ، وستّ جوارِ، 

قال : فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) فيهن ، وفي المال، 

قال : فكتب إليه : إن أباك لم يمت 

قال : فكتب إليه : إن أبي قد مات وقد اقتسمنا ميراثه ، وقد صحت الأخبار بموته ، واحتج عليه فيه، 

قال : فكتب إليه إن لم يكن أبوك مات فليس لك من ذلك شيء ، وإن كان قد مات على ما تحكي ، فلم يأمرني بدفع شيء إليك ، وقد أعتقت الجواري وتزوجتهن) (٢) .


فالواقفة الخونة استغلوا مكث الإمام الكاظم (عليه السلام) ، ما يزيد عن حدود ثماني عشرة سنة تقريباً خلف القضبان ، فتجمعت عندهم آلاف الدنانير والدراهم ، هذا غير الهدايا والجواري والعبيد ، لأن الإمام الكاظم (عليه السلام) في السجن ممنوع التصرف في أمواله ، فما أن استشهد أرواحنا فداه ، حتى حازوا الجميع لعنهم الله وأخزاهم .


قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) : 

لم يكن موسى بن جعفر (عليه السلام) ممن يجمع المال ، ولكنه قد حصل في وقت الرشيد وكثر أعداؤه ، ولم يقدر على تفريق ما كان يجتمع إلا على القليل ممن يثق بهم في كتمان السر ، فاجتمعت هذه الأموال لأجل ذلك ، وأراد أن لا يحقق على نفسه قول من كان يسعى به إلى الرشيد ، ويقول : 

إنه تحمل إليه الأموال وتعتقد له الإمامة ، ويحمل على الخروج عليه ، ولولا ذلك لفرق ما اجتمع من هذه الأموال ، على أنها لم تكن أموال الفقراء ، وإنما كانت أموالاً تصله بها مواليه لتكون له إكراماً منهم له ، وبرّاً منهم به (عليه السلام) (۱) .


والذي هو أعجب من كل ذلك ، أنهم يحاجون الإمام عليّاً الرضا (عليه السلام) ، في أخذهم أموال والده الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، وينفون موته بأدلة أوهن من بيت العنكبوت ، والإمام يجيبهم وهم يردّون عليه ، مع علمهم بأنه إمام بعد أبيه كما نص عليهم الإمام الكاظم (عليه السلام) من قبل ، وأبان الإمام الرضا (عليه السلام) لعلي بن أبي حمزة الذي توقف عن الاعتراف به (عليه السلام) ، كما روي عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد ، عن حمدان بن سليمان ، عن منصور بن العباس ، عن إسماعيل بن سهل قال : 

حدثنا بعض أصحابنا وسألني أن أكتم اسمه ، قال : 

(كنت عند الرضا (عليه السلام) فدخل عليه علي بن أبي حمزة ، وابن السراج ، وابن المكاري ، فقال له ابن أبي حمزة : 

ما فعل أبوك؟ 

قال : مضى 

قال : مضى موتاً ؟ 

قال فقال : نعم، 

قال : فقال : إلى من عهد ؟ 

قال : إلي ، 

قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ 

قال : نعم . 

قال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه، 

قال (عليه السلام) : ويلك وبما أمكنت أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : 

إني إمام مفترض طاعتي والله ما ذاك علي ، وإنما قلت ذلك لكم ، عند ما بلغني من اختلاف كلمتكم ، وتشتت أمركم ، لئلا يصير سركم في يد عدوكم .


قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلم به، 

قال : بلى والله لقد تكلم به خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لما أمره الله أن ينذر عشيرته الأقربين ، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً ، وقال لهم : 

إني رسول الله إليكم ، فكان أشدهم تكذيباً وتأليباً عليه عمه أبو لهب ، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن خدشني خدش فلست بنبيّ ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة ، وأنا أقول : 

إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام ، فهذا أول ما أُبدع لكم من آية الإمامة. 

قال له علي : إنا روينا عن آبائك (عليهم السلام) أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، 

فقال له أبو الحسن : فأخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان إماماً أو كان غير إمام؟ 

قال : كان إماماً ، 

قال : فمن ولي أمره؟ 

قال : علي بن الحسين، 

قال: وأين كان علي ابن الحسين؟ كان محبوساً في يد عبيد الله بن زياد! 

قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم انصرف . 

فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : إن هذا أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ، فهو يمكن صاحب الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ، ثم ينصرف وليس في حبس ولا في إسار، 

قال له علي : إنّا روينا أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه، 

قال : فقال أبو الحسن (عليه السلام) : أما رويتم في هذا غير هذا الحديث؟ 

قال : لا ، 

قال : بلى والله لقد رويتم فيه : إلا القائم، وأنتم لا تدرون ما معناه ولمَ قيل، 

قال فقال له علي : بلى والله إن هذا لفي الحديث، 

قال له أبو الحسن (عليه السلام) : ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه، 

ثم قال : يا شيخ اتقِ الله ولا تكن من الذين يصدون عن دين الله تعالى) (١) .


والعجب أن علي بن أبي حمزة الذي توقف عند الإمام علي الرضا (عليه السلام) ، قد روى أكثر الروايات عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، ولأجل حب الدنيا وملذّاتها خلد في النار ولعنه الإمام (عليه السلام) .


كما روي عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : 

(وجَّه إليَّ أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ونحن بخراسان ، ذات يوم بعد صلاة العصر ، فلما دخلت إليه قال لي : 

يا حسن توفي علي بن أبي حمزة البطائني في هذا اليوم ، وأُدخل قبره في هذه الساعة ، فأتياه ملكا القبر ، 

فقالا له : من ربك ؟ فقال : الله ربي .

قالا : فمن نبيك؟ قال : محمد .

قالا : فما دينك؟ قال : الإسلام .

قالا : ما كتابك؟ قال : القرآن .

قالا : فمن وليّك؟ قال : عليّ .

قالا : ثم من؟ قال : ثم الحسن .

قالا : ثم من؟ قال : ثم الحسين .

قالا : ثم من؟ قال : ثم علي بن الحسين .

قالا : ثم من؟ قال : ثم محمد بن علي .

قالا : ثم من؟ قال : ثم جعفر بن محمد .

قالا : ثم من؟ قال : ثم موسى بن جعفر .

قالا : ثم من؟ فتلجلج لسانه ، فأعادا عليه ، فسكت، 

قالا له : أفموسى بن جعفر أمرك بهذا؟! ثم ضرباه بإرزبة ، فألقياه على قبره ، فهو يلتهب إلى يوم القيامة .


قال الحسن بن علي : فلما خرجت كتبت اليوم ومنزلته في الشهر ، فما مضت الأيام حتى وردت علينا كتب الكوفيين ، بأن علي بن أبي حمزة توفي في ذلك اليوم ، وأُدخل قبره في الساعة التي قال أبوالحسن (عليه السلام)) (١) .


هذا -والعياذ بالله- سوء العاقبة ، والإيمان المستودع غير المستقر ، ثبتنا الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، على ولايتهم والبراءة من أعدائهم .


ففي هذه الموجة المظلمة من الواقفية ، حصلت رجة وضبابية رؤية ، عند بعض أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) ، ولكن لما رأوا الحقيقة تراجعوا إلى إمامة الإمام علي الرضا (عليه السلام) ، منهم عبد الرحمن بن الحجاج (۲) ، ورفاعة بن موسى (١) ، ويونس بن يعقوب (٢) ، وحماد بن عيسى (١) ، وجميل بن دراج (١) ، وهؤلاء من أصحاب الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ، وممن رجع ممَّن كان في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) : أحمد بن محمد (۱) ابن أبي نصر (١) ، والحسن بن علي الوشاء (٢) ، وغيرهم فلم يبقَ من الواقفية أحد ، زالت بزوال مؤسسيها ، لأن منشأها الأغراض الدنيوية والطمع ، فلم يكن لهم مطلب شرعي أو عقلائي سوى الشهوات ، وحب الرياسة ، فزالت بزوال شهواتهم وطمعهم والحمد لله رب العالمين .