وللجن أيضا أجناس وأصناف ، من جهة التكليف والعلم ، فأنواعهم بهذا اللحاظ ثلاثة ، بنظر الإجمال ، وخمسة على التفصيل .
أما الأول : فكما في البحار عن الخصال بسنده إلى أبي عبدالله (ع) أنه قال : «الجن على ثلاثة أجزاء ، جزء مع الملائكة ، وجزء يطيرون في الهواء ، وجزء كلاب وحيات» (۱) انتهى .
فالصنف الأول الذي هو الجزء الأول : هم المطيعون لله ، المنقطعون عن اعتبار أنفسهم ، فهم مع الملائكة ، فيما يجري عليهم ، وهم أهل الجنة يدخلونها بغير (۲) حساب ، كالملائكة الذين لا يجدون إرادة أنفسهم ، ولا ميل أنيتهم .
والصنف الثاني الذين هم الجزء الثاني : هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، عسى الله أن يتوب عليهم ، ولذا عبر عنهم بأنهم يطيرون في الهواء ، فان الهواء له اتصال بعالم (۳) النار ، التي هي وجه المبدأ ، وعالم (٤) الماء والتراب ، الذين لهم (٥) الوجه الأسفل .
وأما الصنف الثالث المعبر عنهم بالجزء الثالث (٦) : هم أهل المعاصي والسيئات ، المعبر عنهم بالكلاب والحيات ، فالكلاب أعداء أهل البيت (ع) ، لأنهم الغرباء (ع) في هذه الدنيا ، والكلب يعادي (٧) الغريب ويبغضه ، والحيات ساير الملل المتفرقة ، والفرق المختلفة ، ولما كان الجن للطافة بنيتهم ، يظهرون بصورة أعمالهم في هذه الدنيا ، فالكفار على صورة (١) الكلاب والحيات وأمثالها من الصور الشيطانية .
والمؤمنون الكاملون متصلون بالملائكة ، في الصورة الظاهرة ، يتلقون عنهم ويستأنسون بهم ، ويستعينون في الشدايد (٢) بهم ، إذ يشملهم عموم قوله تعالى :
{إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} (۳) .
والمؤمنون الناقصون من العصاة ، يطيرون في الهواء ، وينصبغون بصبغ ما يجاورهم ، وقلوبهم محفوظة منعقدة على الولاء ، لآل الله ، وهم عصاة الشيعة ، عسى الله أن يتوب عليهم قال عليه السلام : (وعسى موجبة) ويشير إلى ما ذكرنا ما روى
«أن سليمان (ع) لما نظر إلى خلق الجن وعجايب صورهم ، وهم بيض (٤) وسود وصفر وشقر وبلق ، على صورة (٥) الخيل والبغال والسباع ، ولها خراطيم وأذناب وحوافر (٦) وقرون ، فسجد سليمان (ع) لله ، إلى أن قال : فقال لهم سليمان (ع) ما لكم صوركم مختلفة وأبوكم الجان واحد ، فقالوا إن اختلاف صورنا لاختلاف معاصينا ، واختلاط إبليس بنا ، ومناكحتنا مع ذريته» ... الحديث
وأما التفصيل فكما في الخصال أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «خلق الله الجن خمسة أصناف : صنف حيات ، وصنف عقارب ، وصنف حشرات الأرض ، وصنف يطيرون في الهواء ، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب» (۱) الخ (انتهى خ ل) .
فالحيات : هم رؤساء الباطل منهم ، لاستمرارهم وتشعبهم من ظل أبي الشرور ، الذي ملأ بظلمته الدهر ، وأنهم يسقون أتباعهم سماً قاتلاً ، ليميتوهم عن الحياة الأبدية ، التي هي الإيمان والنجاة .
والعقارب : هم التابعون لهم بالإساءة ، وهم أهل التراب الذين أخلدوا إلى الأرض ، فكما في قوله تعالى : {وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} (۲) والعقرب باردة يابسة طبع(٣) التراب .
وحشرات الأرض : هم المستضعفون الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ، فليست لهم ثابتة (٤) وإنما حياتهم عرضية عنصرية ، فروح الحشرات ممزوجة بأجسادها ، ولذا ترى إذا قطعت رأسها يتحرك ذنبها مدة من الزمان ، وليست كالحيوانات التي أرواحها مباينة لأجسادها ، والمستضعف ليس له حياة باطنية قلبية ، وتمييز حقيقي ، حتى يكون بذلك من أهل التكليف ، وحياتهم عرضية صورية ، لا حقيقة معنوية ، كحشرات الأرض ، فان قلوب المستضعفين ما خلقت بعد .
والذين يطيرون في الهواء : هم الكاملون البالغون المترفعون عن الأرض ، أي أرض الأدناس سائرون مع الملأ الأعلى ، بالغون إلى مقام الحياة الأبدية والبقاء السرمدي ، وهم الذين مع الملائكة من القسم الأول ، ويدخلون الجنة بغير حساب .
والذين كبني آدم : في ظهور المعرفة ، وقوة المشاعر الصالحة ، لتعلق التكليف بهم في هذه الدنيا ، وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وهم الذين عليهم الحساب ، وعليهم العقاب والثواب {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (۱) والحيات والعقارب ، هم الذين يدخلون النار بغير حساب ، لإن الوزن والحساب ، للممتزج المختلط (٢) .
وأما الخالص من الفريقين : فيلحق بأصله بلا ريب ومين ، والمستضعف (۳) من حيث هو ليس عليه (٤) حساب ولا عقاب ، إلا إذا عرف ، إما في الدنيا أو في البرزخ أو يوم القيامة ، بتأجج (٥) نار الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (٦) وما أدراك ما الفلق ، فهناك يثبت عليه الحكم ، إما إلى الجنة أو إلى النار .