هناك تفسير للفلسفة عند أهل البيت ، غير ما عليه الفلاسفة ، حيث إنهم يعرفون الفلسفة بالتخلق بأخلاق الله عز وجل ، وأخلاق القرآن الكريم ، كما روي عن أمير المؤمنين علي (ع) مع الدهقان وهو التاجر .
كما في الرواية عن سعد بن عبادة والأصبغ بن نباته :
أنه (ع) لما خرج إلى النهروان استقبله دهقان ، وقال لتعودن عما قصدت إليه لتناحس النجوم والطوالع فسعد أهل النحوس ، ونحس أهل السعود ، واقترن في السماء كوكبان يقتتلان ، وشرف بهران في برج الميزان ، وقدحت في برجه النيران وتناشت الحرب حقاً بأماكنها ، فتبسم الإمام (ع) وقال :
«أنت المحذر من الأقدار أم عندك دقائق الأسرار ، فتعرف الأكدار والأدوار ، أخبرني عن الأسد في تباعده في المطالع والمراجع ، وعن الزهرة في التوابع والجوامع ؟ وكم من السواري إلى الدراري؟ وكم من الساكنات إلى المتحركات ، وكم قدر شعاع المدبرات ، وكم أنفاس الفجر في الغدوات؟
قال : لا علم لي بذلك .
فقال (ع) : هل عندك علم أنه قد انتقل الملك في بارحتنا من بيت إلى بيت بالصين ، وانقلب برج ماجين ، وهاج نمل الشيخ ، وتردى برج الأندلس ، وطفح جب سرنديب ، وفقد ديان اليهود ابن عمه ، وعمي راهب عمورية ، وجذم بطريق الروم برومية ، وتساقطت شرافات من سور قسطنطينية ، أفأنت عالم بمن أحكم هذه الأشياء من الفلك ؟
قال : لا ،
فقال (ع) : هل عندكم علم أنه قد سعد في بارحتنا سبعون ألف عالم منهم في البر؟ ومنهم في البحر ، أفأنت عالم بمن أسعدهم من الكواكب ؟
قال : لا .
ثم أخبره (ع) بأن تحت حافر فرسه اليمنى كنز ، وتحت اليسرى عين من الماء ، فنبشوا فوجدوا كما ذكر (ع)
فقال الدهقان : ما رأيت أعلم منك إلا أنك ما أدركت علم الفلسفة ؟
فقال (ع) : من صفي مزاجه ، اعتدلت طبايعه ، ومن اعتدلت طبايعه قوي أثر النفس فيه - ومن قوي أثر النفس فيه ، سما إلى ما يرتقيه ، ومن سما إلى ما يرتقيه تخلق بالأخلاق النفسانية ، وأدرك العلوم اللاهوتية ، ومن أدرك العلوم اللاهوتية صار موجوداً بما هو إنسان ، دون أن يكون موجوداً بما هو حيوان ، ودخل في باب الملكي الصوري ، وما له عن هذه الغاية معبر ،
فسجد الدهقان وأسلم» (١) .
وهذا الحديث شبيه بالحديث المشهور عند الخاصة والعامة كما روي في المحاسن عن عبد الرحمن بن حماد ، عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله (ع) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال الله :
«ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه ، وإنه ليتحبب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، إذا دعاني أجبته ، وإذا سألني أعطيته» (۲) .