تشكل الجن بأشكال مختلفة

تشكل الجن بأشكال مختلفة

وأما تشكلهم بالأشكال المختلقة ، فاعلم أنا ذكرنا (٦) في أجوبة المسائل التي أتت إلينا من البحرين ، تفصيل هذه المسألة وسنشير (۷) هنا ، إلى نبذة منها لعدم الإقبال ، لان القلب كليل والبدن عليل ، فنقول لا شك ولا ريب أن الجن يتشكلون بالأشكال المختلفة ، لأنهم أجسام لطيفة غير منجمدة ، وإنما هي ذائبة ، فالروح الحالة فيها تتصرف فيها ، وتشكلها بأي شكل شاءت ، لذوبان أجسامهم ، وعدم انعقادها (١) وانجمادها ، فتقتضي (۲) الظهور في أي صورة شاءت . 


وأما الإنسان المخلوق من التراب ، تراب عليين وسجين ، غلبت عليهم اليبوسة فانجمدوا ، ولا يسعهم التشكل بالأشكال المختلفة ، إلا البشر الذي خلق من الماء كما ذكره (۳) الله سبحانه في القرآن : {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (٤) .


فهذا البشر لذوبان ذاته ، وحرارة باطنه ، ووفور الرطوبات الغريزية ، يتشكل في الصور كيف شاء (٥) الله ، وكذلك كل من تبعه ، إذ ما اتبعه إلا لكونه من سنخه ، أما سمعت الله سبحانه يقول : {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (٦) فيظهر في سره ، ويظهر في الصور كيف شاء الله ، فالمتشكل (۷) بالأشكال المختلفة على أنحاء ، فمن متشكل بالأشكال المختلفة لضعف تركيبه كالملائكة ، ومن متشكل بالأشكال المختلفة لقوة التركيب (۸) لكنه ذائب لغلبة النار ، التي أخذت وخلقت من الشجر الأخضر ، الذي خلق من فاضل تراب طينة آدم ، فيتمكن للتشكل بالأشكال المختلفة ، بلبس صورة ونزعها ولبس الأخرى وهكذا ، إلى الصور الغير متناهية ، لقوة التركيب وشدة الذوبان ، وامتزاجه بظاهر الماء ، الذي به حياة كل شيء ، ومن متشكل بالأشكال المختلفة لقوة التركيب ، وذوبانه بنار سجين ، وغلبة الطبايع الشيطانية ، كأتباع إبليس وجنوده من الإنس والجن . 


وأما المنجمد المنعقد ، لعدم الذوبان على الوجه المذكور ، فلا يسعهم التشكل لغلبة التراب ، أي البرودة واليبوسة اللتين هما طبع الموت ، وهم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ، وهؤلاء يكونون من المتشبثين بالحق والباطل . 


ولكل رأيـت مـنـهــم مـقـامـاً 

شرحه في الكلام ممـا يـطـول


ولطافة أجسام الجن أورثت تشكلهم بالأشكال المختلفة كيف شاؤوا ، ولما كانوا بعيدين من (۱) مبدأ النور ، تمكنت الظلمة فيهم وناسبتهم الصور (۲) الشيطانية ، ويتصورون بكل صورة على صورة اقتضاء كينونتهم ، عند ظاهر أفعالهم ، من الصورة الخبيثة ، من هياكل الكفر كصورة الكلاب والخنازير والحيات والعقارب وأمثالها ، من الصور القبيحة ، وحيث كانت كان النور (۳) لم يضمحل فيهم وتظهر أفعاله في كينوناتهم ، ولذا ظهر الاختيار فيهم من جهة اقتدارهم على إظهار آثار الميلين ، أي الداعيين داعي الخير والشر ، وداعي النور والظلمة ، وداعي الإقبال والإدبار بعد (۱) ظهور تلك الدواعي النورية الإلهية ، يناسبون الصورة الإنسانية هيكل التوحيد ، فيظهرون بتلك الصور ، ويتصورون بتلك الأشباح .


ولذا عرّف أهل المنطق الجن بأنه جسم ناري ، يتشكل بالأشكال المختلفة ، حتى الكلب والخنزير ، والتعريف وإن كان رسماً ، ليس بحد کاشف عن حقيقة الواقع ، لكنه رسم أو اسم جامع ، وهم يتشكلون بالأشكال المختلفة لذوبان ماهياتهم ، يعني كينوناتهم ومناسباتهم لجهات الخير ، وجهات الشر .