هل يلزم صاحب العين تكليف شرعي

هل يلزم صاحب العين تكليف شرعي 

قال سلمه الله تعالى - وما حكمها ؟ وما الواجب على الصائب ؟ وما الموجب للمصاب ؟ وما تكليفهما ؟ وما دواؤهما ؟ وهذه ألفاظنا وعندكم معانيها ، وهي جمل وعندكم تفاصيلها . 


أقول ـ أما حكمها فلم أجد أحداً من الفقهاء ، تعرض لهذه المسألة نفياً وإثباتاً ، والذي يقتضيه النظر بملاحظة مظان الأدلة ومواقعها ، أنه لا يترتب عليها حكم شرعي ، لسكوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حكمه ، لما قيل له (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك . 


وقد ذكر المفسرون أن أسماء بنت عميس ، قالت يا رسول أن بني جعفر تصيبهم العين ، أفاسترقى لهم ؟ 

قال : نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين انتهى ، فلو كان لهذه الإصابة حكم شرعي ، لبينه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأثبته ، ولم يقتصر بالرقية ، لعموم البلوى لشدة ابتلاء الناس بالذين يصيبون بالعين ، وما صح له (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لأحد من الأئمة (ع) السكوت في هذا المقام ، فحيث سكتوا وأبهموا ، علمنا أنه لا يترتب عليه شيء في الدنيا من الأحكام الشرعية ، بالنسبة إلى القصاص والدية ، وقد تأخر حكمها إلى يوم القيامة ، وقد قال (ع) : 

«أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بأشياء ، ونهى عن أشياء ، وسكت عن أشياء ، وليس سكوته عنها جهلاً ولا إبهامه له غفلة ، فاسكتوا عما سكت الله ، وأبهموا ما أبهمه الله» (۱) .


ولأن هذه الإصابة ليست باختياره بالاختيار الظاهري ، ولا اعجاب الشيء إياه وتعجبه منه باختيار منه ، بحسب الظاهر ، فلا يمكنه التحرز ، فمقتضى لطف الله سبحانه ، أن لا يؤاخذه بالعقوبة ، ويؤيده قوله (الإمام جعفر الصادق) (ع) : 

«كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر» (۱) ومع هذا كله لم يحصل القطع الحقيقي ، بأن الضرر المذكور من العين ، وهي السبب التام ، في هذا الأمر لا غير .


وما ذكرنا من أنه إذا أراد أن يصيب ، يجوع ثلاثة أيام ليس لأجل أصل الإصابة ، بل إنما هو لزيادة تأثيرها ، وشدة ظهورها ، فلا منافاة .


وبالجملة فأصالة عدم التكليف أقوى مستمسك في هذا المقام ، لا أن يثبت دليل قطعي على التكليف الخاص ، والقياس بلزوم الدية بقتل الخطأ قياس مع الفارق ، مع أن القياس من أصله ساقط في مذهبنا ، فالواجب على المصيب حينئذ التحرز مهما أمكن ، عن تهيج النفس بما يستدعي للمقابلة ، لتحقق الضرر .


وقوله سلمه الله تعالى وما الموجب للمصاب لعله غلط في التعبير ، لأن مراده ما الذي يجب على المصاب في الحكم التكليفي بالنسبة إلى المصيب ، وقد بينا ذلك أن المصيب لا يلزمه شيء ، والمصاب ليس له أن يدعي عليه بشيء ، والله سبحانه يفعل في عباده ما يشاء .


وقوله سلمه الله وما تكليفهما ؟ فقد سبق جوابه ، من أنه لا تكليف عليهما ، لأن الضرر الحاصل من العين لو فرض أنها العلة التامة في ذلك ، أنما هو شيء من غير اختيار ولا يطيق سلب ذلك منه ، كالحائط الواقع على أحد ، أو كالنار التي تحرق أحداً ، أو كالبلورة التي تقابل شخصاً بعد إشراق الشمس عليها فتحرقه ، أو تجرحه أو تصيبه ضرراً ، وكالشخص الواقع من علو من غير اختياره ، إذا أزلقته الريح الشديدة ، والهواء العاصف ، فيصيب شخصاً ويقع عليه فيقتله ، وأمثالها من الأمور التي لا يمكن التحرز منها .


بخلاف القتل الخطأ ، وإن لم يكن قاصداً له لكنه يسعه التحرز ، بالتفطن والتوعي ، وملاحظة الأطراف والجوانب ، وعدم المسارعة والمبادرة إلى ما يوجب الخطأ ، حتى لا يقع في ذلك ، وكذلك النائم إذا انقلب على أحد فقتله كالظئر ، وكذلك الساهي ، فإنه يمكنهم التحرز ابتداء ، لئلا يقعوا في هذه الورطة ، بخلاف العيان فإنه لا يمكنه ذلك ، والدليل عليه ، أنه يصيب أولاده بالعين ، ويتلف زرعه وسائر أمواله ، ولو أمكنه التحرز لتحرز يقيناً ، ولم يكن سبباً لهلاك أولاده وتلف أمواله ، فالحكمة الإلهية لا تقتضي أن تكون عقوبة للعيان من قصاص أودية أو غير ذلك ، فجرى الأمر فيه على مقتضى لطف الله ورحمته وكرمه ، بخلاف قتل الخطأ فإن العقوبة فيه بالكفارة ، والإلتزام بالدية ، لأجل عدم التحرز مع تمكينه من ذلك فافهم ، واغتنم وكن من الشاكرين .